للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا الضالين). هذا رجوع (من) الغيبة إلى الخطاب. ومما يختص به هذا الكلام من الفوائد، إنه ذكر الحقيق بالحمد وأجرى عليه تلك الصفات العظام من الربوبية العامة، والملك الخاص، فعلم العالم بمعلوم عظيم الشأن، حقيق بالخضوع له، والاستعانة في المهمات به فخوطب ذلك المعلوم الموصف بتلك الصفات فقيل: إياك نعبد يا من هذه صفاته، أي تخص بالعبادة والاستعانة، ليكون أدل على العبادة، لذلك التميز الذي لا تحق العبادة إلا به، فإن قوله (إياك نعبد وإياك نستعين) بعد قوله (الحمد لله رب العالمين) ليس العدول فيه من الغيبة إلى الخطاب اتساعاً إنما عدل إليه لفائدة حسنة، وذلك أن الحمد لله دون العبادة، ألا تراك تحمد نظيرك ولا تعبده. فلما كان الحال كذلك استعمل لفظ (الحمد) لتوسطه مع الغيبة في الخير، فقال: (الحمد لله) ولم يقل (لك)، ولما صار إلى العبادة التي هي أقصى الطاعات قال (إياك نعبد) فخاطب العباد إصراحا بها، وتقربا منه - عز اسمه - بالانتهاء إلى محدود منها وعلى نحو من ذاك جاء آخر السورة فقال (صراط الذين أنعمت عليهم) فأصرح بالخطاب لما ذكر النعمة، ثم قال (غير المغضوب عليهم) ولم يقل (غير الذين غضب عليهم) لأن الأول موضع التقرب من الله بذكر نعمه، فلما صار إلى ذكر الغضب قال (غير المغضوب عليهم) فجاء باللفظ منحرفاً به عن ذكر الغضب، فأسند النعمة إليه لفظاً، وزوى عنه ذكر الغضب تحسناً ولطفاً، فانظر إلى هذه اللغة الشريفة وتناسب هذه المعاني اللطيفة التي الأقدام (لا) تكاد تطؤها، والأفهام مع قربها صافحة عنها.

ومن هذا الجنس قوله تعالى (وقالوا اتخذ الرحمن ولداً لقد جئتم شيئاً إذا) فقوله (لقد جئتم) وما فيه من المخاطبة بعد الغيبة زيادة تنكيل عليهم، بالجرأة على الله - عز وجل -

<<  <   >  >>