[ذكر بعض أخبار هاشم وعبد المطلب]
وكان اسم هاشم عمراً، وإنما سمي هاشماً لأنه كان يكسر الخبز ويضعه مع المرق وكان يسمى ذلك عند العرب آنذاك الثريد ويطعم به الحجاج، وهو الذي سن رحلتي الشتاء والصيف، ولذا قال فيه القائل: عمرو الذي هشم الثريد لقومه قوم بمكة مسنتين عجاف سنت إليه الرحلتان كلاهما سفر الشتاء ورحلة الأصياف وهو الذي ينسب إليه صلى الله عليه وسلم في المقام الأول، فيقال: النبي الهاشمي، وعندما يقال: النبي المضري يخرج بنو ربيعة.
ثم كان من أولاد هاشم عبد المطلب، وليس هو المطلب الأول، وهو جد النبي صلى الله عليه وسلم وأحد الذين كفلوه كما سيأتي تحريره في موضعه، واسمه شيبة، فقيل له: شيبة الحمد، وإنما سمي عبد المطلب لأن المطلب أخا هاشم جاء المدينة وكان شيبة فيها صغيراً، وقد ولد بالمدينة ومات أبوه هاشم وتركه بها، فأخذ المطلب شيبة هذا وأردفه وراءه، ودخل به مكة، فلما دخل به مكة ظنه الناس من قريش عبداً للمطلب، فأخذوا يقولون: عبد المطلب، عبد المطلب حتى غلب عليه.
هنا تظهر فائدة ثانية قلما ينتبه لها، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مفتخراً: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب)، فهذا الحديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين، والشراح عندما يأتون إلى ذلك يقولون: إنه لا يذكر الإنسان أنه عبد لغير الله، ويجوز من باب النسب، ويأتون بهذا الدليل، فيقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب)، وهذا وهم ممن قاله؛ لأن العبودية هنا لم يقصد بها القرشيون عبودية الذل وعبودية التعبد، وإنما قصدوا بها عبودية الرق، كما تقول: إن زيداً من الناس عبد لبني فلان، بمعنى أنه رقيق، لا أنه يعبدهم.
فقوله عليه الصلاة والسلام: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) لم يغير فيه عليه الصلاة والسلام اسم جده، ولم يقل: إن عبد المطلب لم يكن عبداً؛ لأنه فهم الحال الذي وضع له الاسم، وهو أن قريشاً فهمت أن شيبة عبد للمطلب، أي أنه غلام، بمعنى عبودية رق، والعبودية ثلاثة أقسام: الأولى: عبودية رق وضدها الحرية، وهذه تسمى عبودية شرعية.
الثانية: عبودية ذل وقهر، وهذه يشترك فيها كل الخلق، فالملائكة والجن والإنس كلهم عبيد لله تبارك وتعالى من هذا الباب، ودليلها من القرآن: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم:٩٣].
ودليل الأولى قوله تعالى: {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة:١٧٨].
الثالثة: عبودية الطاعة، وتنقسم إلى قسمين: عبودية طاعة لله، وعبودية طاعة لغير الله تبارك وتعالى، كما قال عليه الصلاة والسلام: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة) إلى آخر الحديث.
وعبودية طاعة الله هي التي يتنافس فيها المتنافسون ويشمر فيها العاملون، وهي التي بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الذروة منها، فكان كما سماه الله جل وعلا، حيث قال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان:١]، فقصد الله بها هنا عبودية الطاعة.
فـ عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم الأول، ومن هذا نفهم أن النبي صلى الله عليه وسلم من جهة أبيه وأمه عربي من العرب المستعربة.