للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من زوجاته زينب بنت جحش]

وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، وهي بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب، وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة فطلقها، فزوجها الله إياه من السماء.

زينب بنت جحش كانت تحت زيد بن حارثة، وزيد بن حارثة هو مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان عند خديجة فوهبته للنبي عليه الصلاة والسلام فأعتقه، فجاء أهله من اليمن يطلبونه قبل الهجرة، فاختار النبي صلى الله عليه وسلم على أبيه وأعمامه، فقال عليه الصلاة والسلام: (أشهدكم أن زيداً يرثني وأرثه)، فكان يعرف بأنه زيد بن محمد، وهذا كان قبل أن تنزل الشرائع على ما كانت تصنعه قريش والعرب في الجاهلية، فكان التبني مسموح به، ويرث الرجل من ابنه المتبنى كما يرث الابن من أبيه الذي تبناه، فأبطل الله جل وعلا التبني وأبطل الله ما يتعلق بالتبني، أبطل الله التبني بقوله: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب:٥]، وأبطل الله ما يتعلق به بقوله: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال:٧٥]، {إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} [الأحزاب:٦].

وكانت العرب ترى من أعظم العار أن يتزوج الرجل ابنة ابنه الذي تبناه، فأراد الله أن يبطل هذا الأمر، وكانت زينب بنت جحش ترى في نفسها أنفة على زيد؛ لأنه مولى، فكان زيد يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم ويشتكيها، وقد أخبر الله نبيه أن زيداً سيطلق لا محالة، وأنك ستتزوج زينب بعده، هذا أخبر الله به نبيه عن طريق جبريل، فلما جاء زيد للنبي عليه الصلاة والسلام يشتكي له قال له صلى الله عليه وسلم: (أمسك عليك زوجك)، وأخفى في نفسه ما أخبره الله جل وعلا به، قال الله جل وعلا: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب:٣٧]، أي: بالإسلام، {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:٣٧] أي: بالعتق، {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب:٣٧] أي: ما الله مظهره، وهو زواجك من زينب، {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب:٣٧] لماذا؟ {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ} [الأحزاب:٣٧] ابن حارثة، وهو الصحابي الوحيد المذكور نصاً في القرآن، ثم بين الله العلة: {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الأحزاب:٣٧]، فلهذه العلة أراد الله جل وعلا أن يتزوج النبي عليه الصلاة والسلام زينب بنت جحش، فكانت تفتخر على أمهات المؤمنين وتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات، رضي الله عنها وأرضاها.

<<  <  ج: ص:  >  >>