[ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم]
والفصل الذي نحن بصدد إيضاحه اليوم هو ذكر أزواجه عليه وعليهن الصلاة والسلام: وقبل أن نشرع فيما ذكره المصنف من ذكر أسماء أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، فإننا نقول: إن نبينا صلى الله عليه وسلم جعله الله -كما مر معنا- بشراً، فأخذ الخصائص البشرية التي أعطيت للناس، كما قال جل وعلا عن أنبيائه ورسله: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد:٣٨].
والبيت النبوي كان يتكون في أول الإسلام وقبل الإسلام قبل البعثة، كان يتكون من النبي صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين خديجة بنت خويلد والستة الذين رزقهم جل وعلا نبيه من خديجة.
طفلان صغيران ماتا وهما صغيران، وبقي أربع بنات، فكان البيت النبوي قد استقر على أربع بنات مع النبي عليه الصلاة والسلام، أما القاسم وعبد الله الملقب بـ الطيب أو الطاهر فقد مر معنا أن هذين توفيا وهما صغار، لكن البيت النبوي اقتصر على أربع بنات وأمهن خديجة ورسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومضى على هذا من زواجه عليه الصلاة والسلام حتى توفيت خديجة خمسة وعشرون عاماً، فإن خديجة توفيت والنبي صلى الله عليه وسلم عمره قرابة خمسين عاماً، وذلك قبل أن يهاجر إلى المدينة بثلاث سنوات، هذا كله وهو عليه الصلاة والسلام لم يتزوج، ثم بعد ذلك تزوج سودة ومازال عليه الصلاة والسلام يتزوج لأسباب سيأتي ذكرها حتى توفي صلى الله عليه وسلم.
وبالنسبة لك كطالب علم يجب أن تعلم التالي: الثابت أنه عليه الصلاة والسلام عقد على ثلاث عشرة امرأة، هذا مجرد عقد، ودخل على إحدى عشرة امرأة، وتوفي صلى الله عليه وسلم عن تسع، وكان يقسم قبل وفاته لثمان، وبيان هذا على النحو التالي: قلنا: إنه عقد على ثلاثة عشر امرأة صلوات الله وسلامه عليه: اثنتان منهن عقد عليهما ولم يدخل عليهما، فلا تجري عليهما قضايا وأحكام أمهات المؤمنين في الآخرة، وأما في الدنيا فالمسألة خلافية، فلا يقال لواحدة منهما: إنها أم المؤمنين، لكن هل يتزوجها أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ هذه مسألة لم تثبت.
هاتان المرأتان هما أسماء بنت النعمان الكندية، فهذه رأى فيها بياضاً فطلقها ومتعها صلوات الله وسلامه عليه، ولم يدخل عليها، والمرأة الثانية عمرة بنت يزيد الكلابية، فهذه لما دخل عليها كانت حديثة عهد بجهل وقبح، والله جل وعلا جعل لأكثر الأشياء أسباباً، فلما دخل عليها قالت: أعوذ بالله منك؛ لجهلها تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أعوذ بالله منك، فقال لها صلى الله عليه وسلم: (لقد عذت بعظيم)، وفي رواية قال: (عائذ مانع، الحقي بأهلك)، فطلقها ولم يدخل عليها، فهاتان لم يدخل عليهما صلوات الله وسلامه عليه.
وبقي إحدى عشرة امرأة فهؤلاء هن أمهات المؤمنين قطعاً، فكلهن دخل عليهن صلوات الله وسلامه عليه، اثنتان منهن توفيتا في حياته صلوات الله وسلامه عليه وهما: خديجة بنت خويلد وزينب بنت خزيمة الهلالية.
والتسع الباقيات منهن سودة بنت زمعة أول زوجاته بعد خديجة، فهذه كبرت ووهبت في آخر عمره صلى الله عليه وسلم وهبت ليلتها لـ عائشة، فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم لا يقسم لتسع وإنما يقسم لثمان من نسائه، تحرر من هذا أنه عليه الصلاة والسلام عقد على ثلاث عشرة امرأة، ولم يدخل باثنتين منهن، ودخل بإحدى عشرة، اثنتان من الإحدى عشرة توفيتا في حياته وهما خديجة بنت خويلد وزينب بنت خزيمة رضي الله عنهما، وتسع نسوة بقين في حياته مات عنهن، منهن سودة بنت زمعة لم يكن صلى الله عليه وسلم يقسم لها في آخر حياته كما سيأتي، ووهبت ليلتها لـ عائشة رضي الله عنهن، فهؤلاء هن أمهات المؤمنين.
وهؤلاء رضي الله عنهن وأرضاهن اختارهن الله ليكن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ويجب عليهن رغم أنهن أمهات المؤمنين يجب عليهن الحجاب في المقام الأول، فلا يصح لأحد من الأمة أن يرينه أو أن يراهن، يعني: أن الحجاب فرض عليهن رغم أنهن أمهات المؤمنين، إلا رجل بينه وبينهن محرم من جهة أخرى كقرابة مثلاً، فـ ميمونة هي خالة ابن عباس لذلك فهو يراها، لكن كونها أم المؤمنين لا يعني ذلك أنه يراها، هذا الأمر الأول.
والأمر الثاني: أن الله حرم على المؤمنين نكاح أمهات المؤمنين بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، وجعل هذا أمراً عظيماً لا يقبل، ولم يحصل ولله الحمد والمنة قطعاً.
وأما في الآخرة: فإنهن جميعاً الإحدى عشرة زوجاته صلى الله عليه وسلم، كما أنهن زوجاته في الدنيا.