وفي دخوله صلى الله عليه وسلم المدينة بيان لفضل هذه البلدة التي اختارها الله مثوى ومهاجر لرسوله صلى الله عليه وسلم، وقد تواترت وتكاثرت الأحاديث الدالة على فضيلتها ولا يمكن أن يجهلها مسلم، فلما دخلوا المدينة -وكانت موبوءة بالحمى- أصابت الحمى أبا بكر وبلالاً رضي الله تعالى عنهما، فكان أبو بكر يقول إذا غلبته الحمى: كل امرئ مصبح في أهلهِ والموت أدنى من شراك نعله وبلال رضي الله تعالى عنه يقول: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليلُ وهل أردنْ يوماً مياه مجنة وهل يبدونْ لي شامة وطفيلُ فهو يتذكر مكة ويحن إليها، فلما أخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم بهذا قال صلوات الله وسلامه عليه:(اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد)، وسأل الله للمدينة البركة ضعفي ما سأل إبراهيم لمكة، ولما كان صلى الله عليه وسلم يغزو أو يرحل عنها، ثم يعود إذا كان على راحلته أوضع لها -جعلها تسرع- إذا رأى جدران المدينة، ويقول:(هذه أرواح طيبة)، كما أنه أثنى على أهلها رضي الله عنهم وأرضاهم، وقال:(إن من علامة الإيمان حب الأنصار، ومن علامة النفاق بغض الأنصار)، وقال صلى الله عليه وسلم:(لا يريد أحد أهل المدينة بكيد إلا أذابه الله كما يذاب الملح في الماء)، وقال صلى الله عليه وسلم:(إن على كل باب من أبواب المدينة ملكين يحرسانها لا يدخلها الدجال ولا الطاعون)، ولما ذكر تميم بن أوس الداري قصة الدجال ضرب صلى الله عليه وسلم رمانة منبره، وقال:(هذه طابة هذه طابة هذه طابة -ثلاثاً-، لا يدخلها الدجال ولا الطاعون).
هذا بعض مما جاء في فضل المدينة، ومن أشد ذلك أنه قال عليه الصلاة والسلام:(من استطاع منكم أن يموت في المدينة فليفعل؛ فإني أشفع لمن مات بها).
هذا كله مما ورد شرعاً وثبت في فضل هذه المدينة المباركة التي اتخذها الله مهاجراً لرسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الحديث عن الهجرة على وجه الإجمال.
وقال المؤلف رحمه الله: وأقام بالمدينة عشر سنين.
وهذا هو الصحيح المحفوظ أنه أقام صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين.