الكلام إجمالاً عن وفاة رسول الله، والفوائد المأخوذة من ذلك
وقبل أن أكمل فهذا ما تقيدت به في شرح النص الذي ارتبط بالمتن.
وأما الكلام عن وفاته عليه الصلاة والسلام جملة فأنا سأسردها إجمالاً مبيناً بعض ما فيها من فوائد بعد أن انتهينا مما يتعلق بذمتنا الشرعية حول النص.
لم يفقد الناس أحداً أعظم من رسولهم صلى الله عليه وسلم، وقد شعر صلى الله عليه وسلم بدنو أجله في حجة الوداع لما أنزل جل وعلا عليه قوله:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}[المائدة:٣]، فعرف صلى الله عليه وسلم أن الأمر الذي بعث من أجله قد تم، فأخذ يودع الناس ويقول:(لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)، فيخطب ثم يقطع ويقول:(لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، وإنكم ستسألون عني فما أنتم قائلون؟ فيجيبون: نشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمة، ونصحت الأمة، فيرفع أصبعه الطاهرة إلى السماء ثم ينكتها إلى الأرض ويقول: اللهم فاشهد اللهم فاشهد)، ثم رجع إلى المدينة تشرف به الوهاد والنجاد حتى دخلها في آخر صفر أول ربيع حضر جنازة، فلما رجع شعر بصداع في رأسه وحمى تصيبه، فدخل على عائشة فقال بعد أن قالت له:(وارأساه، قال: بل أنا وارأساه)، فلما شعر بدنو الأجل خرج إلى شهداء أحد فاستغفر لهم ودعا لهم كالمودع، ثم خرج في ليلة مع غلام له يقال له: أبو مويهبة فأتى أهل البقيع فدعا لهم واستغفر لهم، وقال:(ليهنكم ما أنتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الأولى، ثم قال: يا أبا مويهبة! إن الله خيرني ما بين خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة وما بين لقاء ربي ثم الجنة، فاخترت لقاء الله ثم الجنة، فقال له أبو مويهبة: يا نبي الله بأبي أنت وأمي اختر الخلد في الدنيا ثم الجنة، قال: أبا مويهبة! إنني اخترت لقاء الله ثم الجنة، ثم خرج يوماً عاصباً رأسه فخطب على المنبر وقال: إن رجلاً خيره الله ما بين الدنيا ثم الجنة وما بين لقاء الله ثم الجنة، فقال أبو بكر: بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله! وجعل يبكي، فتعجب الناس من بكاء أبي بكر، ثم قال عليه الصلاة والسلام: على رسلك يا أبا بكر، ومدح وأثنى على أبي بكر رضي الله تعالى عنه كأنه يشير إليه في الخلافة من بعده)، ثم قبل وفاته بيوم تصدق بدنانير تسعة أو سبعة كانت عنده، ثم أعتق غلمانه تحرراً من قيود الدنيا، ثم لم يبق إلا بغلته وسيفه وشيئاً يتجمل به الأئمة والملوك بعده، ثم إنه عليه الصلاة والسلام في يوم الإثنين الذي مات فيه كشف ستار حجرة عائشة وأبو بكر رضي الله تعالى عنه يصلي بالناس، فأطل عليه الصلاة والسلام -يقول أنس - يتهلل وجهه كأنه ورقة مصحف، وقرت عينه أن الأمة اجتمعت بعده على إمام واحد في صلاتها، فاضطرب الناس وكادوا أن يفتنوا، ثم أعيد الستار كما كان، ورجع صلى الله عليه وسلم إلى حجرته، وخرج أبو بكر فرحاً إلى بيت له بالسنح عوالي المدينة وتفرق الناس على خير، ثم دخل عليه صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم ابنته فاطمة فأسرها أنه سيموت في مرضه هذا فبكت، ثم قالت:(واكرب أبتاه! قال: ليس على أبيك كرب بعد اليوم)، ثم إنه عليه الصلاة والسلام دخل عليه أسامة وجعل يسأله الدعاء، فدعا له دون أن يرفع صوته، وهو نبي الأمة ورأس الملة، وسيد الفصحاء، وإمام البلغاء، ثم دخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يد عبد الرحمن سواك، فجعل يحدق النظر فيه دون أن يستطيع أن يطلبه من عبد الرحمن، ففهمت عائشة مراده، فأخذته من أخيها وقضمته وطيبته وأعطته نبينا عليه الصلاة والسلام واستاك، وكان يضع يده في ركوة فيها ماء ويمسح بها وجهه الطاهر الشريف ويقول:(لا إله إلا الله اللهم إن للموت لسكرات فأعني على سكرات الموت، ثم جعل يخيره الملك وهو يقول: مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، والملك يخيره وهو يقول: بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى قالها ثلاثاً، ثم مالت يده، وفاضت روحه) إلى أعلى عليين في الملكوت الأعلى والمحل الأسنى صلوات الله وسلامه عليه.
قال حسان: بطيبة رسم للرسول ومعهد منير وقد تعفو الرسوم وتهمد بها حجرات كان ينزل وسطها من الله نور يستضاء ويوقد معارف لم تطمس على العهد آيها أتاها البلى فالآي منها تجدد عرفت بها رسم الرسول وصحبه وقبراً به واراه في الترب ملحد وهل عدلت يوماً الرزية هالك رزية يوم مات فيه محمد فما فقد الماضون مثل محمد ولا مثله حتى القيامة يفقد صلى الإله ومن يحف بعرشه والطيبون على المبارك أحمد اللهم أحينا في الدنيا على سنته ومحبته، وأمتنا على ملته، واحشرنا يوم القيامة تحت لوائه وفي زمرته.
اللهم أوردنا حوضه، وارزقنا جواره عندك في مقعد صدق عند مليك مقتدر.