والأصل أن الميت لا يفرش له شيء في قبره، فقد دفن النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً من أصحابه ماتوا في حياته ولمن ينقل أنه أدخل معهم في قبرهم شيئاً، وهذه القطيفة كان عليه الصلاة والسلام يفرشها ويجلس عليها، ويلبسها أحياناً، فأنزلها شقران وهو صالح مولاه معه في القبر، ثم فرشها على النبي عليه الصلاة والسلام، وأصل هذا الكلام الذي ذكره المصنف أصله في صحيح مسلم من حديث ابن عباس.
وعلى هذا تأتي هنا مسألة: هل يجوز أن يفرش تحت الميت قطيفة أو لا؟ قال بعض العلماء في الإجابة عن هذا -وحكاه النووي عن الجمهور-: إنه يكره فعله، وإن شقران فعلها دون علم الصحابة؛ لأنه كره -أي شقران - كره أن يلبسها أحد بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، وهذا التعليل الذي ذكره النووي رحمه الله غير صحيح، أو بتعبير أصح ضعيف؛ لأننا نقول: إن الله جل وعلا لا يختار لنبيه إلا الأفضل، فما كان الله ليسمح قدراً لـ شقران أن يضع هذه القطيفة تحت النبي صلى الله عليه وسلم والله يكره ذلك؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يكفله ربه ويرعاه ويحفظه ويحيطه بعنايته حياً وميتاً، فينجم عن هذا تخريج المسألة فنقول: إنه يكره بل قد يصل أحياناً إلى حد المنع أن يوضع تحت أي ميت قطيفة حمراء أو قطيفة من أي نوع، وما فعله شقران هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإن قال قائل: ما وجه الخصوصية هنا؟ قلنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الأرض حرم الله عليها أن تأكل أجساد الأنبياء، فلأن الأرض لا تأكل جسده أذن الله قدراً لـ شقران أن يضع هذه القطيفة تحت نبينا صلى الله عليه وسلم، وبهذا يمكن تخريج المسألة في أن الله لا يختار لنبيه إلا الأفضل، وأن هذا من خصائصه، وممن نص من العلماء على أن هذه خصيصة للنبي صلى الله عليه وسلم وكيع بن الجراح رحمه الله المحدث المشهور شيخ كثير من السلف، الإمام أحمد وغيره، ووكيع نص على أنها خصيصة للنبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يظهر لنا أنه ينجلي الإشكال في المسألة، والله أعلم.