أما أنس فكانت مهمته في الأشياء اليسيرة: في قضاء الحوائج، والقرب منه صلى الله عليه وسلم يبعثه هنا وهناك، وقد أتت به أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير، وقد أعطته إياه ليخدمه، فقبله عليه الصلاة والسلام، فمكث يخدم النبي عليه الصلاة والسلام عشر سنين، وكان عليه الصلاة والسلام قد دعا لـ أنس بأن يكثر الله في ماله وولده، وأن يبارك فيه، فعمر أنس حتى أدرك مائة شخص من صلبه رضي الله عنه وأرضاه، وأدرك خلافة عبد الملك بن مروان، فكان الحجاج بن يوسف القائد الأموي المعروف يتعرض له بالأذى أحياناً، فكتب أنس رضي الله عنه إلى عبد الملك بن مروان: إن اليهود لو وجدت رجلاً خدم موسى ساعة من نهار لعظمته وبجلته، وأنا خدمت نبيكم صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فبعث عبد الملك إلى الحجاج بن يوسف يأمره أن يكف أذاه عن أنس رضي الله عنه وأرضاه، وقد حدث أنس بأحاديث كثيرة، وهو أحد المكثرين من الصحابة رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذلك رضي الله عنه أنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فلم يقل له عليه الصلاة والسلام لشيء فعله لم فعلته، ولا لشيء تركه لم لم تفعله، وهذا من رفق الإنسان بمن تحت يده خاصة إذا كان صغيراً لا يعقل، والنبي عليه الصلاة والسلام ذاق مرارة فقد الوالدين، ومرارة فقد الأبناء، فطبعه الله جل وعلا على الرقة والرحمة لكل من حوله صلوات الله وسلامه عليه، وما كان أنس يرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الشفقة والرحمة، ولم ينقل أبداً أنه ضرب قط عليه الصلاة والسلام.