وأما حسان فقد كان أحد شعراء النبي عليه الصلاة والسلام وهم كثر، فمنهم كعب بن مالك، ومنهم عبد الله بن رواحة، ومنهم حسان رضي الله عنه، وقد أدرك ستين عاماً في الجاهلية وستين عاماً في الإسلام، فهو أكبر من النبي صلى الله عليه وسلم بسبع سنين؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام دخل المدينة وقد تم له ثلاث وخمسون سنة صلوات الله وسلامه عليه.
والمقصود أن حسان كان أكبر من النبي صلى الله عليه وسلم بسبع سنين، فلما دخل النبي عليه الصلاة والسلام المدينة كان عمره ستين عاماً، فعاش مائة وعشرين عاماً، وكان له شعراً يقع موقع النبل على القرشيين، وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم له:(اهجهم وروح القدس معك)، وفي أول الأمر استأذن النبي عليه الصلاة والسلام في أن يهجو قريشاً، فقال:(كيف تهجوهم وأنا منهم)، أي: إنني قرشي.
فقال للنبي عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله! لأستلنك منهم كما تستل الشعرة من العجين، ثم أخذ حسان يهجو المشركين بعد أن جلس إلى أبي بكر؛ لأنه يعلم بالأنساب، فكان أبو بكر يعلمه نسب النبي صلى الله عليه وسلم في قريش، فيتوخى حسان نسب النبي عليه الصلاة والسلام ويضع شعره على ما لا يصيب النبي عليه الصلاة والسلام، فكان مما قاله في شعره: وعبد الدار سادتها الإماء والنبي عليه الصلاة والسلام من بني عبد مناف وليس من بني عبد الدار.
ومن شعره في الجاهلية: لله در عصابة نادمتهم يوماً بجلق في الزمان الأول أولاد جفنة حول قبر أبيهم قبر ابن مارية الكريم المفضل يغشون حتى ما تهر كلابهم لا يسألون عن السواد المقبل بيض الوجوه كريمة أحسابهم شم الأنوف من الطراز الأول فهذا من شعره في الجاهلية، فلما جاء الإسلام قال قصيدته النبوية المشهورة التي تمثل بها بعض الصحابة، وقيل: تمثل بها النبي عليه الصلاة والسلام في عام الفتح: أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء إلى آخر القصيدة، فلما مات النبي عليه الصلاة والسلام رثاه حسان بقوله: بطيبة رسم للرسول ومعهد منير وقد تعفو الرسوم وتهمد بها حجرات كان ينزل وسطها من الله نور يستضاء ويوقد معارف لم تطمس على العهد آيها أتاها البلى فالآي منها تجدد عرفت بها رسم الرسول وصحبه وقبراً به واراه في الترب ملحد فما فقد الماضون مثل محمد ولا مثله حتى القيامة يفقد صلى الإله ومن يحف بعرشه والطيبون على المبارك أحمد صلوات الله وسلامه عليه.
فهذا -معشر المؤمنين- بعض خواص حياة نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا خدمه ومواليه صلوات الله وسلامه عليه.