[ذكر أوصاف رسول الله الخلقية]
وقد جعل المؤلف هذا القسم من الكتاب عن صفته صلوات الله وسلامه عليه الخلقية، ثم ذكر معجزاته وما خصه الله به من كرائم الأخلاق، ومنها ما هو مشتهر، فقد يكون التعريج عليه ليس به شأن بالنسبة لتكراره، وأما بالنسبة لصلته بالدين فكل ما يتعلق بنبينا صلى الله عليه وسلم هو أمر ذو بال وشأن.
وقد شرع المؤلف في ذكر من وصفه صلى الله عليه وسلم، والمنهج هنا أننا سنقرأ إجمالاً صفته صلى الله عليه وسلم كما ذكرها بعض من رآها، ثم بعد ذلك نشرح شرحاً علمياً الصفة الخلقية لرسولنا صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك الوصف المنقول عن أولئك الأخيار فيه من غرائب الألفاظ ما ليس بدارج عند الناس، فربما يغفل الكثير عن معناه.
قال المؤلف رحمه الله: [وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم مقبلاً يقول: أمين مصطفى بالخير يدعو كضوء البدر زايله الظلام.
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينشد قول زهير بن أبي سلمى في هرم بن سنان حيث يقول: لو كنت من شيء سوى بشر كنت المضيء ليلة البدر ثم يقول عمر وجلساؤه: كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن كذلك غيره.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض اللون مشرباً حمرة أدعج العينين، سبط الشعر، كث اللحية، ذا وفرة، دقيق المسربة، كأن عنقه إبريق فضة، من لبته إلى سرته شعر يجري كالقضيب، ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، ششن الكفين والقدمين، إذا مضى كأنما ينحط من صبب، وإذا مشى كأنما ينقلع من صخر، إذا التفت التفت جميعاً، كأن عرقه اللؤلؤ، ولريح عرقه أطيب من ريح المسك الأذفر، ليس بالطويل ولا بالقصير ولا الفاجر ولا اللئيم، لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم -وفي لفظ: بين كتفيه خاتم النبوة وهو خاتم النبيين- أجود الناس كفاً وأوسع الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة وأوفى الناس ذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشيرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم).
وقال البراء بن عازب: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعاً بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء لم أر شيئاً قط أحسن منه صلى الله عليه وسلم).
وقالت أم معبد الخزاعية في صفته صلى الله عليه وسلم: (رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صعلة، وسيماً قسيماً في عينيه دعج وفي أشفاره وطف، وفي صوته صحل وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثافة، أزج أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم تحدرت، لا بائن من طول ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، وهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند).
وعن أنس بن مالك الأنصاري رضي الله عنه أنه وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (كان ربعة من القوم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد، أزهر اللون ليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم، ليس بجعد ولا قطط ولا سبط، رجل الشعر).
وقال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخماً مفخماً يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع وأقصر من المشذب، عظيم الهامة رجل الشعر، إن انفرقت عقيقته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره، أزهر اللون واسع الجبين، أزج الحواجب سوابغ في غير قران، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية أدعج العينين سهل الخدين ضليع الفم، أشنب مفلج الأسنان دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلقة بادناً متماسكاً سواء البطن والصدر، مسيح الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس أنور المتجرد، موصول ما بين اللبدة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين، عريض الصدر طويل الزندين، رحب الراحة شذر الكفين والقدمين، سائر الأطراف، خمصان الأخمصين، مسيح القدمين، ينبؤ عنهما الماء، إذا زال زال قلعاً ويخطو تكفؤاً ويمشي هوناً، ذريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعاً، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه ويبدأ من لقيه بالسلام صلوات الله وسلامه عليه).