نقول من باب الدرس العلمي: إن أشهر من وصف النبي صلى الله عليه وسلم اثنان: علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه وهند بن أبي هالة.
أما علي فمعروف، فهو ابن عم رسول صلى الله عليه وسلم، وكان عليه الصلاة والسلام قد رباه عندما أخذه من أبيه أبي طالب، فهو دائم الحال مع النبي عليه الصلاة والسلام، فكان يسيراً عليه أن يصفه، على أنه ينبغي أن يعرف أن الوصف لا يوفق له كل أحد، فإن الوصف يحتاج إلى نوع من البلاغة وإلى دقة الملاحظة وإلى حسن الإلقاء وإلى أمور عدة عندما يصف إنسان إنساناً رآه.
كما أن من وصف النبي صلى الله عليه وسلم من الرجال هند بن أبي هالة، والأصل أن العرب تسمي بـ (هند) للمرأة، ولكن وقع عند العرب من سمي بهند رغم أنه رجل، وقد مر أن خديجة بنت خويلد زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت قبله قد تزوجت رجلين: أحدهما أبو هالة، فأنجب من خديجة هنداً الذي أصبح أخاً غير شقيق لبنات وأبناء النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه رضي الله عنه من خديجة أم المؤمنين، ومن خديجة أيضاً أبناء النبي صلى الله عليه وسلم وبناته سوى إبراهيم، كما مر معنا.
فـ هند أخ لـ رقية وأخ لـ أم كلثوم وأخ لـ فاطمة وأخ لـ زينب وأخ للقاسم وأخ لـ عبد الله، وقلنا: إن النسب النبوي انحصر في نسل فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، ومن نسل فاطمة الحسن والحسين أبناء علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فأصبح هند من حيث النسب خالاً للحسن والحسين، والحسن رضي الله عنه وأرضاه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه أدركه وهو صغير، وقد قلت: إن الإنسان قد يراه فلا يحسن الوصف، فـ الحسن رضي الله عنه سأل خاله هنداً أن يصف له النبي صلى الله عليه وسلم، فما مر معنا من ذكر المصنف لوصف هند بن أبي هالة للنبي عليه الصلاة والسلام إنما جاء جواباً للحسن بن علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
وكما وصفه من الرجال هند وعلي وصفته أم معبد، وأم معبد امرأة من خزاعة كان لها خيمتان في الطريق بين مكة والمدينة، فلما مر عليه الصلاة والسلام في هجرته عليها سألها السويق والتمر والماء، فلم يجد عندها شيئاً يشتريه، كما في القصة المعروفة، فأشارت إلى شاة في كسر البيت، فمسح عليها صلى الله عليه وسلم وسمى الله جل وعلا، فدرت الشاه كما هو معروف.
وفي ذلك قيل: جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيمي أم معبد هما نزلا بالبر وارتحلا به وأفلح من أمسى رفيق محمد فرأته أم معبد مرة واحدة عندما كان مع صاحبيه أبي بكر وعامر بن فهيرة والدليل الكافر عبد الله بن أريقط، ولكن فحوى القصة يدل على أن الدليل لم يكن معهم وقت شرب اللبن.
والذي يعنينا أن أم معبد رأته، ثم وصفته صلى الله عليه وسلم، فالذي بين يدي العلماء من نعت هيئته صلى الله عليه وسلم مرده في الأكثر إلى هؤلاء الثلاثة.
كما وصفه أنس بن مالك وعبد الله بن بسر والبراء بن عازب، وبعض الصحابة في الصحيحين وغيرهما، ولكن ذلك لا يصل مجموعاً إلى هذه الأوصاف المطولة في وصفه صلوات الله وسلامه عليه ونحن نعلم أن الله جل وعلا زكى في القرآن نبينا جملة فقال:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم:٤]، وزكى لسانه فقال:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}[النجم:٣]، وزكى بصره فقال:{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}[النجم:١٧]، وزكى الله قلبه فقال:{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}[النجم:١١].