للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر الغزوات إجمالاً

وأول الغزوات بدر، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: بدر الصغرى، وبدر الكبرى، وبدر الموعد.

فبدر الصغرى سببها أن رجلاً يقال له: قلس أغار على سرح المدينة، فتبعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر وهذا كله قبل معركة بدر، وتسمى هذه معركة بدر الصغرى، وأما التي نزل فيها القرآن فهي المعركة الشهيرة في رمضان عند المسلمين، وكانت في السابع عشر من رمضان، وأصلها -كما هو معلوم- أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن عيراً لقريش عائدة من الشام، فقال لأصحابه: (لعل الله ينحلكموها) يعني: يمنحكم إياها، فهبوا لها فلم يدركوها، فقال الله جل وعلا: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} [الأنفال:٧]، وإحدى الطائفتين هنا ليست إحدى الحسنيين، فإحدى الحسنيين هي النصر أو الشهادة، وأما إحدى الطائفتين فالعير أو النصر، قال الله جل وعلا: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} [الأنفال:٧]، فقال صلى الله عليه وسلم بعد أن استشار أصحابه قال: (امضوا؛ فإن الله وعدني إحدى الطائفتين)، أي: وعدني إما أن تدركوا العير، وإما أن تقابلوا قريشاً فتنتصروا.

فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بدراً كما هو معروف، وكانت الغلبة للمسلمين، واستشهد منهم أربعة عشر صحابياً جليلاً شهيداً، ووقف النبي عليه الصلاة والسلام وأثنى على أهل بدر.

فهذه بدر الكبرى التي قال الله فيها: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران:١٢٣].

وبعد بدر جمعت قريش أمرها، فكان في السنة الثالثة غزوة أحد بقيادة أبي سفيان، وأحد هو الجبل المعروف في شمال المدينة، وسمي أحداً لانفراده عن بقية الجبال، وهو جبل قال فيه صلى الله عليه وسلم: (هذا أحد جبل يحبنا ونحبه)، وارتقى عليه عليه الصلاة والسلام ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فاهتز فرحاً، فقال عليه الصلاة والسلام: (اثبت أحد؛ فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان).

والذي يعنينا أن في ساحته كانت معركة أحد، وكانت الغلبة -كما هو معلوم- أول الأمر للمسلمين، ثم إن الرماة عصوا النبي صلى الله عليه وسلم وتركوا أماكنهم فانقلب الوضع وتغير الحال وجال خالد بمن معه من القرشيين فأصبح الأمر لهم، واستشهد من المسلمين آنذاك سبعون رضي الله عنهم وأراضهم.

ثم كانت غزوة بني النضير، وهم قوم من اليهود كانوا يسكنون المدينة، كان منهم بعض التآمر، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام ذهب إليهم في دية رجلين، فلم يساعدوه، وتآمروا على قتله، فأجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة.

ثم بعد ذلك كانت غزوة الأحزاب، ومن اسمها يظهر أن قريشاً وغطفان ومن حالفهم حاصروا المدينة في القصة المعروفة، فأخذ النبي عليه الصلاة والسلام مشورة سلمان الفارسي وحفر الخندق، فاختصم الناس في سلمان، وقال المهاجرون: سلمان منا، وقال الأنصار: سلمان منا، فقال صلى الله عليه وسلم: (سلمان منا آل البيت).

ثم بعد ذلك لما رجع المشركون من غزوة الخندق فردهم الله، انكسر المشركون معنوياً، فقال صلى الله عليه وسلم: (الآن نغزوهم ولا يغزونا)، فوقع الأمر كما قال صلوات الله وسلامه عليه.

وبعد ذلك كان مسير النبي صلى الله عليه وسلم للعمرة في العام السادس، فاصطلح مع القرشيين في الصلح الذي تم تاريخياً وعرف في كتب السيرة بصلح الحديبية، واتفق الطرفان على ألا يكون قتال عشر سنين.

وبعد هذا الصلح رجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فغزا خيبر في نفس العام، وأظهر علي رضي الله عنه بلاء معروفاً، وكان في السبي صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها، ثم تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في منصرفه من خيبر.

فهذا كله في أحداث السنة السادسة.

وفي السنة الثامنة كان فتح مكة، حيث خرج النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن استنصر به عمرو بن سالم الخزاعي، قيل: إنه كان من شروط الصلح -صلح الحديبية- أن من أراد أن يدخل في حلف محمد دخل، ومن أراد أن يدخل في حلف قريش دخل، فدخلت بكر في حلف قريش، ودخلت خزاعة في حلف النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن قريشاً أعانت بكراً على خزاعة، فجاء عمرو بن سالم الخزاعي يستنصر برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: (نصرت يا عمرو بن سال م)، فخرج صلى الله عليه وسلم في العام الثامن من الهجرة إلى مكة ومعه أكثر من عشرة آلاف من أصحابه، ثم دخلها عنوة صلوات الله وسلامه عليه والمغفر على رأسه وطاف بالبيت، ففتح مكة، ثم جعل عليها عتاب بن أسيد.

ثم خرج صلى الله عليه وسلم إلى حنين فقاتل هوازن وثقيفاً، وحاصر الطائف، ولكنه لم يستطع أن يدخلها، ثم رجع، فقيل له: يا رسول الله! ادع على ثقيف، فقال: (اللهم اهد ثقيفاً وائت بهم)، فتحققت عليه الصلاة والسلام ودعوته وهدى الله ثقيف.

ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وفي رجب من العام التاسع كانت آخر الغزوات، وهي غزة تبوك، فخرج صلى الله عليه وسلم بجيش العسرة إلى تبوك -وهي منطقة تبعد عن المدينة اليوم سبعمائة كيلو تقريباً- في الحر والقيض، وقد تآمر المنافقون وخذله أكثرهم، فخرج عليه الصلاة والسلام ولم يلق حرباً، فأناخ في تبوك قرابة عشرين يوماً، ثم رجع صلوات الله وسلامه عليه.

فهذا على وجه الإجمال، وهناك غزوات لنبينا صلى الله عليه وسلم تركنا ذكرها، كذات الرقاع وبني المصطلق وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>