وهذا المتن الذين بين يديك خاص بالسيرة العطرة والأيام النضرة لرسولنا صلوات الله وسلامه عليه، وفيه تعريف بجملة من أصحابه، وهم العشرة المبشرون بالجنة.
وقبل أن نشرع في شرح المتن يجب أن ننبه على أن الإنسان لا يمكن أن يهيأ له مقام بعد أن يدرس كتاب الله جل وعلا أعظم من أن يدرس سيرة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا ريب في أن نبينا عليه الصلاة والسلام ختم الله به الرسالات، وأتم الله جل وعلا به النبوات، وبعثه بين يدي الساعة هادياً ومبشراً ونذيراً صلوات الله وسلامه عليه، وعلى هذا فإنه ينبغي أن يقرر ذلك شرعاً قبل أن نشرع في شرح هذه الدرة المضيئة حتى نتأسى به صلوات الله وسلامه عليه، ونجعله بيننا وبين ربنا، فنقتفي أثره ونلتمس سنته ونتبع هديه الذي أمرنا الله جل وعلا به في المقام الأول، قال تباركت أسماؤه وجل ثناؤه:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ}[الأحزاب:٢١].
وقد فطر الله جل وعلا كثيراً من خلقه على محبة نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد صعد أحد فرجف الجبل فرحاً بصعوده، فقال عليه الصلاة والسلام:(اثبت أحد؛ فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان)، وترك الجذع الذي كان يخطب عليه لما صنع له المنبر، فحن الجذع إليه، فنزل إليه وضمه إليه، وكان الحسن البصري رحمه الله إذا حدث بهذا الحديث يقول: يا معشر المسلمين! الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بال قلوبكم لا تحن إليه؟! ولقد أعطاه الله من المزايا والعطايا ما لم يعط أحداً من العالمين، فقد أشار إلى القمر وأومأ إليه فانفلق بإذن الله تأييداً لرسالته، وأشار إلى السحاب فتفرق إكراماً لإشارته، إلى غير ذلك مما سيأتي في المتن من معجزاته صلوات الله وسلامه عليه.
فهذا كله يدفع المؤمن وطالب العلم في المقام الأول إلى أن يكون عالماً فقيهاً مطلعاً على سيرته صلى الله عليه وسلم، حتى يدعو الناس إلى هديه عليه الصلاة والسلام، فإن الله سد كل باب موصل إليه إلا ما كان عن طريقه صلوات الله وسلامه عليه.