فالصلاة أعظم فرائض الدين، وكان صلى الله عليه وسلم يصلي قبل أن تفرض عليه الصلوات الخمس -على الأظهر- ركعتين قبل الغروب، وركعتين قبل طلوع الشمس، وكان يصلي بين الركنين اليمانيين، والإنسان إذا وقف بين الركنين اليمانيين واستقبل القبلة يصبح بيت المقدس أمامه، فيكون صلى الله عليه وسلم في آن واحد قد جمع بين استقبال بيت المقدس؛ لأنه شمال مكة، وبين استقبال الكعبة، يعني: لم يجعل الكعبة وراء ظهره، فكان يصلي على هذه الحالة.
ثم فرضت عليه الصلوات الخمس في رحلة الإسراء والمعراج، ثم هاجر إلى المدينة فمكث فيها ستة عشر شهراً، ثم أنزل الله جل وعلا قوله:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[البقرة:١٤٤]، فولى النبي صلى الله عليه وسلم وجهه شطر المسجد الحرام، وعلى هذا يفهم أن ما ينقل من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبني المسجد جاءه جبريل فمحا ما بينه وبين مكة حتى رأى الكعبة، فجعل القبلة عليها هذا غير صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بنى المسجد كانت قبلته جهة الشمال، ولم تكن جهة مكة جهة الجنوب، وإنما بدل هذا بعد ستة عشر شهراً، لكن إن قيل: إن هذا حصل بعد التبديل فربما يكون له وجه من النظر.