ولما كان يحمل اللبن ويحمل أصحابه اللبن كان عمار يحمل لبنتين لبنتين، فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحمل لبنتين فقال:(ويح ابن سمية؛ تقتله الفئة الباغية) ثم قال: (اهتدوا بهدي عمار)، ولما أراد أن يبث فيهم روح العمل قال لهم عليه الصلاة والسلام يدعو:(اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة).
فالمؤمن وطالب العلم في المقام الأول لا يجعل من العلم حظاً للكسب الدنيوي، وإنما يجعل العلم الذي علم به سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه وفقهه وما إلى ذلك يجعله طريقاً إلى الآخرة، وكلما كان للإنسان حظ من الدنيا بعلمه قل حظه في الآخرة وقل قبول علمه عند الناس في الغالب.
فالعلامة الألباني رحمه الله تعالى وغفر له لما بشر بأنه فاز بجائزة الملك فيصل العالمية حاول الصحفيون أن يجعلوا من فوزه مادة ثرية في الصحافة، فاتصل به أحد الصحفيين ليهنئه ويسأله عن مشاعره، فقال الشيخ رحمه الله:{وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}[الزخرف:٣٥]، ثم أقفل الهاتف وأنهى المكالمة فالعالم الرباني بحق هو من ينشد ما عند الله وأجر الآخرة، وهذا الذي ينبغي أن يكون عليه العلماء وطلبة العلم في المقام الأول.
فبادره وخذ بالجد فيه فإن آتاكه الله انتفعتا فإن أوتيت فيه طويل باع وقال الناس إنك قد رؤستا فلا تأمن سؤال الله عنه بتوبيخ علمت فهل عملتا وإنما العلم العمل، والله جل وعلا يقول:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:٢٨]، فهذا هو أهم ما يمكن أن يكتسبه الإنسان في هذه المقطوعة من السيرة.