للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عظم حب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وتصديقهم له]

ولقد حرص سلف الأمة رضي الله عنهم ورحمهم الله على كل ما يتعلق بنبينا صلى الله عليه وسلم، حتى إنهم دونوا ما كان يركبه صلى الله عليه وسلم وما كان يملكه من الدواب، وهذا أمر محمود لهم، وقد كان السلف كذلك من عنايتهم بكل ما يتعلق به صلوات الله وسلامه عليه، وهذا يؤكد ما قلناه من أن من أحب شيئاً أحب ما يتعلق به.

أما ما ذكره المصنف فإنه بالنسبة لطالب العلم لا يلزم حفظه كله، والمقصود عندما تتذكر الأحاديث أن تربط الأحاديث الفقهية أو غير الفقهية بما قرأت في السيرة.

مثال ذلك: حديث خزيمة بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى فرساً من رجل من بني مرة ولم يكن هناك شاهد، فكأنهما اختلفا في أمر، فطلب الأعرابي شاهداً يشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى منه هذا الفرس؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام اتفق معه على سعر، ثم إن الأعرابي كأنه طمع، فقال: ما بعتك، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إنك بعتني إياه، وقد انتهينا من الأمر، فلم يجد شاهداً، فجاء خزيمة بن ثابت رضي الله تعالى عنه وأرضاه وقال: أنا أشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتراه منك بكذا وكذا.

فلما شهد قال له عليه الصلاة والسلام: كيف تشهد -وهو يعلم أنه لم يحضر-؟! فقال: يا رسول الله! إنني أصدقك بخبر السماء -أو كلمة نحوها- أفلا أصدقك في أنك اشتريت فرساً من أعرابي بكذا وكذا.

فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين.

فالإنسان أحياناً يرزقه الله موهبة في انتهاز الفرص الحسنة، ومن أمثلة هذا من السيرة ما فعله أبو أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه، فالنبي عليه الصلاة والسلام لما دخل المدينة كان فيها حيان عظيمان: الأوس والخزرج، فكان راكباً على الناقة، فيقول له الخزرج: هلم إلى هاهنا يا رسول الله، فيقول: (خلو سبيلها فإنها مأمورة)، ويقول الأوس نفس الكلام، فيقول: (خلو سبيلها فإنها مأمورة)، وكان بين الأوس والخزرج من النزاعات ما الله به عليم، فلم يكن يحب عليه الصلاة والسلام أن ينزاح ويميل إلى أحدهما من أول الأمر، فلما بركت الناقة تركها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل، ثم قامت وجالت جولة ثم رجعت وبركت في موطنها الأول، ولم ينزل عليه الصلاة والسلام؛ إذ لو نزل عند الأوس لقال الخزرج: مالأ علينا من أول يوم، ولو نزل عند الخزرج لقالت الأوس مثل ذلك، فبقي على الناقة.

فجاء أبو أيوب الأنصاري، فعمد إلى متاع النبي عليه الصلاة والسلام وأدخله بيته، فلما أدخله بيته حسم الأمر، فلما جاء الناس المجاورون للأرض التي أصبحت بعد ذلك مسجداً يقولون: يا رسول الله! هاهنا هاهنا.

قال عليه الصلاة والسلام: (المرء مع رحله)، فظفر أبو أيوب رضي الله عنه وأرضاه بسكنى النبي عليه الصلاة والسلام عنده من دون غيره من الأنصار بتفكيره وانتهازه للفرصة الحسنة.

وكذلك خزيمة بن ثابت، فإن كل الصحابة يصدقون النبي عليه الصلاة والسلام بخبر السماء، ولكن خزيمة انتهز الفرصة أكثر من غيره، وقال: أنا أشهد، ومعلوم أنه حين يقول بهذا الأمر فإن النبي عليه الصلاة والسلام لن يرد شهادته، فظفر بأن تجعل شهادته بشهادة رجلين رضي الله عنه وأرضاه، وهذه من المناقب المحمودة في الرجال.

إذا هبت رياحك فاغتنمها فإن لكل خافقة سكونا وإن درت نياقك فاحتلبها فلا تدري الفصيل لمن يكون وهذه أسباب يضعها الله تبارك وتعالى في الناس، فهذا يصيب بها وهذا يخطئ، وإذا أراد الله شيئاً هيأ أسبابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>