بعد أن ذكر المصنف رحمه الله مولد النبي صلى الله عليه وسلم وحياته ووفاته ذكر جملة مما يتعلق بأولاده عليه الصلاة والسلام.
والأولاد في اللغة إذا أطلقوا فإنه يراد بهم الذكر والأنثى سوياً، قال الله جل وعلا في كتابه الكريم:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}[النساء:١١]، فتعبير العامة أن فلاناً رزق ولداً على أنه ابن غير صحيح من حيث اللغة، لكنهم يقولون: خطأ شائع ولا صحيح مهجور.
وعلى العموم فإنه عليه الصلاة والسلام رزق من الأولاد ذكوراً وإناثاً.
وبدأ المصنف رحمه الله بذكر الأولاد، فالأولاد الذين رزقهم عليه الصلاة والسلام: القاسم وهو أكبر أبنائه، وأول من رزق على الأظهر، لكنه رزقه قبل أن يبعث، ومات وهو صغير عمر قيل: سنتين، وقيل غير ذلك، وأياً كان فإنه لم يدرك النبي عليه الصلاة والسلام وقد نبئ، وكان يكنى عليه الصلاة والسلام كما مر معنا بأبي القاسم، ورزق عبد الله بعد النبوة، ولذلك اقترن اسم عبد الله بـ الطيب والطاهر كلقب، لكن عبد الله مات كذلك وهو صغير، ثم رزق إبراهيم من سريته مارية القبطية التي أهداها إليه المقوقس حاكم مصر، فقد أهدى إليه جارية يقال لها مارية، فتسراها عليه الصلاة والسلام فأنجب منها إبراهيم، وإبراهيم عاش ثمانية عشر شهراً، ومات في شوال من السنة العاشرة قبل حجة الوداع، وهو الذي قال النبي عليه الصلاة والسلام فيه:(وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزنون)، وكانت له مرضعة -ضئر- اسمها فاطمة ترضعه في عوالي المدينة، قال أنس رضي الله تعالى عنه:(ما رأيت أحداً أرحم بالعيال من رسولنا صلى الله عليه وسلم)، وكان عليه الصلاة والسلام يأتي إلى عوالي المدينة فيحمل ابنه إبراهيم ويشمه ويضمه ويقبله، ثم فجع عليه الصلاة والسلام بوفاة ابنه إبراهيم، فحزن قلبه، ودمعت عيناه، وقال:(إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون)، وهذا من الدلائل على أن الإنسان مهما علا شرفه وعظم قدره فإنه عرضة للبلاء، والصالحون أعظم عرضة، ونبينا عليه الصلاة والسلام إمام الصالحين، بل إمام الخلق أجمعين، فلم يكتب له أن يعيش له ولد كبير يعضده، وهذا من حكمة الله تبارك وتعالى، وإبراهيم لما رزقه عليه الصلاة والسلام بعد كبر سن مات وعمره ثمانية عشر شهراً، والله يقول في كتابه:{لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}[البلد:٤]، وكذلك الناس يعطون ويمنعون ويحرمون ويأخذون، والداعية وطالب العلم والموفق المسدد في سبيل الله يعلم أن الدنيا أخذ وعطاء، وصبر وابتلاء، فهذا ما جبل الله جل وعلا عليه الدنيا، فقد جعلها سجناً للمؤمن، وجنة للكافر، والمؤمن يأخذ من وفاته عليه الصلاة والسلام ومن وفاة ابنه العبر، وأنه لا راحة للمؤمن دون لقاء الله، ولو لم يظفر طالب العلم بكلمة أعظم من هذه لكفى: لا راحة للمؤمن دون لقاء الله، فأي عناء وأي مشقة تعتريك في طريقك إلى الله فتذكر جيداً أنه لا راحة للمؤمن دون لقاء الله، ولن ترتاح حتى تلقى الله تبارك وتعالى على الإيمان، وأما دون ذلك فلا يمكن أن يصفو لك أمر لا في القبر ولا في القيام بين يدي رب العالمين.
فالنبي عليه الصلاة والسلام دفن سعد بن معاذ، وسعد نزل سبعون ألف ملك من السماء يشيعونه، ثم قال:(لقد ضم عليه القبر ضمة لو نجا منها أحد لنجا منها هذا العبد الصالح)، فالمؤمن لا راحة له حتى يلقى الرب تبارك وتعالى.