والشاهد من هذا كله أن النبي عليه الصلاة والسلام كان له أعمام كثيرون، لكن هؤلاء الأعمام أنت لست ملزماً بحفظهم، وإنما ذكرهم صاحب المتن من باب التعلم، والذي أنت ملزم به هو التصور الكامل للمسألة، وأن تعلم أن أعمام النبي صلى الله عليه وسلم يمكن تقسيمهم إلى ثلاثة أقسام: قسم لم يدرك نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ومبعثه، وبالتالي عندما لم يدرك النبوة لم يدرك المبعث، فيكون قد مات على دين آبائه، فهو من أهل الفترة، فيجري عليه ما يجري على أهل الفترة؛ لأنه ما أدرك بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
القسم الثاني: أدرك مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن، وهذا يضم اثنين شهيرين: أبو طالب وأبو لهب، فكلاهما أردك البعثة النبوية ولم يؤمن، وهذا القسم نفسه ينقسم إلى قسمين: قسم لم يؤمن وناصر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أبو طالب.
وقسم لم يؤمن وعادى النبي عليه الصلاة والسلام ولم ينصره، وهو أبو لهب، وسمي أبا لهب لجمال خديه ونورهما، وإلا فاسمه الحقيقي عبد العزى، وإنما أبو لهب كنيته، وفي هذا نزل قول الله جل وعلا:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}[المسد:١ - ٢].
وهذه الآية من أعظم السور الدالة على أنه لا يمكن لأحد أن يخرج عن مشيئة الله، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: هذا القرآن من عند الله، وقريش تقول -ومن ضمنها أبو لهب -: هذا القرآن ليس من عند الله، فلما قال أبو لهب لنبينا عليه الصلاة والسلام: تباً لك سائر اليوم؛ ألهذا جمعتنا؟! أنزل الله على نبينا هذه السورة، فقال عليه الصلاة والسلام يتلوها:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}[المسد:١ - ٣].
ومعلوم أن النار ذات لهب لا يصلاها المؤمن، وإنما يصلاها الكافر، فهو يقول للناس وأبو لهب يسمع:{سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}[المسد:٣]، فكان بإمكان أبي لهب أن يقول للناس: محمد يقول: إنني في النار، وأنا الآن مؤمن بمحمد؛ حتى يبطل على النبي القرآن، إذاً فمحمد كذاب.
فهذه على سهولتها لم يستطع أن يقولها، وإلا لو قالها لخرج، لكن الله جل وعلا يعلم يقيناً أنه لن يقولها، ولذلك قال الله:{سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}[المسد:٣]، وأنا لا أريد أن أخرج من السيرة إلى التفسير، ولكن من أراد أن يخشع في القرآن فليتدبر القرآن في المقام الأول، ففي القرآن كنوز ليس هذا وقت إخراجها، من رزق قدرة على التفسير فسيرى شيئاً عجباً في دلائل قدرة الله، لكن كما قلت: لا أريد أن أخرج إلى هذا المنحى.
والمقصود أن أبا لهب لم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وعاداه.
القسم الثالث: قسم أدرك البعثة وأسلم، وهما حمزة والعباس، وحمزة رضي الله عنه تقدم إسلامه، وأما العباس فقد تأخر إسلامه إلى قريب من زمن الفتح، وبعض المؤرخين يقول: إنه أسلم قبل ذلك، لكنه ما أشهر إسلامه إلا في زمن الفتح، والذي يعنينا أنه أسلم ومات على الإسلام.