[العظات والعبر والفوائد المأخوذة من الهجرة النبوية]
هذه هي الهجرة على وجه الإجمال، وفيها من العضات والعبر الشيء الكثير، من أهمها أن النبي عليه الصلاة والسلام من صفاته ما يكرمه الله به فيكون به قدوة، فهذا يلزم به الاتباع، ومنه ما يكرمه الله به لذاته صلوات الله وسلامه عليه فهذا لا يلزم فيه الاتباع، فهما رحلتان: رحلة إلى السماء السابعة وهي رحلة المعراج، فهذه كل نواميس الكون انتهت بين يديه صلى الله عليه وسلم، فتجاوز السبع السماوات في برهة من الليل ومعه جبريل، ورأى إخوانه من النبيين، وصلى بهم، وجاوز سدرة المنتهى، ودخل الجنة، واطلع على النار، كل هذا أنا وأنت وسائر الأمة غير مكلفين به؛ لأنه لا يمكن أن تخرق لنا نواميس الكون.
وأما الهجرة فلأنها مما يقتدى به صلى الله عليه وسلم فيه، فجرى عليه فيها صلى الله عليه وسلم ما يجري على سائر البشر فعندما خاف دخل الغار، وكان معه صديقه يؤنسه، وكان معه دليل يدل على الطريق، وكان معه مولى يعينه خلال الطريق، ومر على خيمتي أم معبد على أنه ضيف، وشرب وارتوى ومضى كل ذلك تجري عليه أحكام البشرية العادية صلوات الله وسلامه عليه؛ حتى يتخذه الناس قدوة، وإذا أمر أحد بالهجرة من دار كفر إلى دار إسلام فلا يعتذر بأن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت خاصة به، ثم إنه عليه الصلاة والسلام وهو يأخذ بهذه الأسباب الدنيوية كان يعلم يقيناً أنه منصور من الله، وأن الله سيبلغ رسالته، قال الله:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}[النساء:٦٤]، فبشر النبي صلى الله عليه وسلم سراقة بن مالك بسواري كسرى رغم أنه صلى الله عليه وسلم وقتها كان شريداً طريداً ينتظر أن يأتي المدينة.