وذكر المصنف ما أفاء به الله جل وعلا عليه من إيواء جده عبد المطلب له أول الأمر، ثم عمه أبي طالب، وكلا الرجلين بذلا جهداً عظيماً في كفالة نبينا صلى الله عليه وسلم.
أما عبد المطلب فقد كان يقربه منه، وكان يفرش له فراشاً عند الكعبة فيجلس صلى الله عليه وسلم بجوار جده، ولا يعاتبه أحد رغم أن عبد المطلب كان وجيهاً سيداً مطاعاً مهاباً، ولكن كانت الحظوة برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صبي عند جده عظيمة.
فلما مات كفله عمه أبو طالب، وأبو طالب اسمه عبد مناف، وهذا العم مات على غير إسلام، ولكن ذلك يمنع القول بأنه كان من أعظم النصراء لنبينا صلى الله عليه وسلم، ومما ينقل عنه في تعهده لنبينا عليه الصلاة والسلام صغيراً وكبيراً أن قريشاً كانت تطلب من أبي طالب أن يستسقي لهم إذا أجدبت الديار -كما نقل ابن عساكر في تاريخ دمشق- فجاء أبو طالب وحمل النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يومئذ صغيراً أبيض، فألصقه بجدار الكعبة، فلما ألصقه بجدار الكعبة أشار صلى الله عليه وسلم بإصبعه إلى السماء وهو صبي، فجاء السحاب من كل مكان، فسقوا حتى سال الوادي، فقال أبو طالب في لاميته بعد ذلك: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل فهذا من حظوة النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي طالب، فلما كبر بقيت هذه الحظوة كما هي، وكان صلى الله عليه وسلم قد رباه الله وتعهده بأنه يفقه يفعل وما يصنع من دون أن يعلم أنه سيكون نبياً، فكان يرعى الغنم على قراريط لأهل مكة من أجل أن يسد العوز والفقر والحاجة المالية التي كانت موجودة عند أبي طالب حتى لا يكون عبئاً عليه، فلما حوصرت بنو هاشم في الشعب كان أبو طالب -رغم كفره- أحد الذين حوصروا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الشعب.
وبلغ من محبته للنبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا جاء الليل يحمل النبي عليه الصلاة والسلام من مكانه ويضعه في مكان آخر، ثم يأتي بأحد أبنائه ويضعه مكان النبي عليه الصلاة والسلام، حتى إذا بيت أحد النية على أن يغتال النبي عليه الصلاة والسلام وهو نائم فإنه يغتال ابنه لصلبه، ولا يغتال النبي عليه الصلاة والسلام.
فهذا كان يفعله كله وهو مشرك، يقول الله تعالى:{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ}[الأنعام:٢٦]، ينهون أي أحد عن أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، {وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ}[الأنعام:٢٦]، فلا يقبلون الدخول في الدين، حتى تعلم أن الهداية مردها إلى الرب تبارك وتعالى.