ومن الخصائص الإلهية التي تندرج في الخصائص النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرمها أعظم الإكرام، ومن دلائل إكرام النبي صلى الله عليه وسلم لها ما يأتي: أولاً: لم يتزوج عليها صلوات الله وسلامه عليه مدة حياتها حتى ماتت عن خمس وستين سنة، وكان عمره صلى الله عليه وسلم عندما ماتت قرابة الخمسين عاماً، فعاشت معه رضي الله عنها وأرضاها خمساً وعشرين سنة، فلم يتزوج عليها ولم يتسر أيام حياته معها.
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ذكرها وهو في المدينة، فقالت له عائشة وقد أصابتها الغيرة:(وهل كانت إلا عجوزاً قد أبدلك الله خيراً منها.
فقال: لا والله ما أبدلني الله خيراً منها؛ لقد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وكان لي منها الولد) ولم تنجب واحدة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم غير خديجة، اللهم إلا ما كان من أمر جاريته مارية القبطية، فقد تسراها صلى الله عليه وسلم فأنجب منها إبراهيم، وأما زوجاته اللاتي هن أمهات المؤمنين فلم تنجب منه صلى الله عليه وسلم واحدة منهن، إلا خديجة أنجبت منه غلامين وأربع بنات، وسيأتي فصل في ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: أنه لما ماتت نزل النبي صلى الله عليه وسلم قبرها ودفنها ولم يصل عليها؛ إذ لم تكن الصلاة قد فرضت، وماتت وبنو هاشم لتوهم خارجون من الشعب قبل أن تفرض الصلاة، والصلاة إنما فرضت بعد رحلة الإسراء والمعراج، ففي صبيحة ليلة الإسراء والمعراج عند الظهر نزل جبريل فأم النبي صلى الله عليه وسلم، وقبلها لم تكن الصلاة مفروضة الفرض فضلاً عن صلاة الجنازة وهي نافلة، فلم يصل عليها صلى الله عليه وسلم، وإنما نزل قبرها رضي الله عنها وأرضاها.
فهذه بعض مناقب أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها خديجة بنت خويلد التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا كله يندرج في عناية الله بنبيه، فإن قلت: أين عناية الله بنبيه من هذا الزواج؟ فنقول: إن الله علم أن هذا النبي سيبلغ الوحي، وهو يحتاج في أيام الدعوة إلى امرأة تنصره، ولا يحتاج إلى امرأة شابة تكثر مطالبها، وإنما يحتاج إلى امرأة راشدة عاقلة، فالنبي عليه الصلاة والسلام ترك عندها الأبناء والبنات وذهب إلى غار حراء يتحنث الليالي ذوات العدد، فلما رجع لم تخبره ولم تلمه ولم تعنفه على أنه تركها وترك الأبناء، وإنما ضمته إلى صدرها، وهو يقول: زملوني زملوني، فلما سمعت ذلك منه أخذت بيده، وذهبت به إلى ورقة بن نوفل ابن عمها، فقالت: اسمع من ابن أخيك، وأخذت تعضده وتأويه صلى الله عليه وسلم وتنصره وتعينه بإيمانها، كما قال صلوات الله وسلامه عليه بعد ذلك عنها، فحفظ النبي صلى الله عليه وسلم لها هذا الجميل، وهذا كله من عناية الله بنبينا صلوات الله وسلامه عليه.