ثم قال المصنف: ثم دفن معه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما.
أبو بكر وعمر دفنا معه في نفس حجرة عائشة، وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها -وهذا من فوائد وفرائد العلم- قد رأت في منامها أن ثلاثة أهلة أو أقمار سقطت في حجرها، فذهبت إلى أبيها أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه وقصت عليه الرؤيا، وكان أبو بكر ممن يعبرون، فسكت عنها ولم يجبها أدباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما مات عليه الصلاة والسلام ودفن في حجرة عائشة جاء أبو بكر إلى عائشة وقال لها: هذا أول أقمارك يا عائشة! ثم دفن أبو بكر رضي الله تعالى عنه بجوار النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت عائشة تريد أن تدخر ما بقي من الحجرة لها، فلما قرب أجل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل ابنه عبد الله يستأذن عائشة في أن يدفن مع صاحبيه، وقال: قل لها: عمر بن الخطاب ولا تقل أمير المؤمنين يستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فدخل عليها عبد الله وقال لها: عمر بن الخطاب يستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت: لأؤثرنه اليوم على نفسي، ولقد كنت أدخره -أي: هذا الموضع- لنفسي، فوافقت، فلما رجع عبد الله إلى أبيه كان عمر ما زال حياً طريح الفراش من طعنة أبي لؤلؤة المجوسي، فلما دخل قال: ما وراءك؟ -يعني: يسأل ما الجواب- قال عبد الله ابنه: أبشر بالذي يسرك يا أمير المؤمنين! فإنها قد وافقت، فقال عمر رضي الله عنه: والله ما من شيء كان أهم علي من هذا الأمر، أي: أن يدفن مع صاحبيه.
ثم ظهرت عدالة عمر بجلاء، فقال: فإذا أنا مت فغسلوني وكفنوني ثم استأذنوا لي من عائشة مرة أخرى؛ فإنني أخاف أنها وافقت في الأول استحياء مني أنني حي، فلما مات عمر وغسل وكفن وصلي عليه وحمل قيل لها وهو محمول على أعناق الرجال عمر بن الخطاب يستأذن أن يدفن مع صاحبيه مرة أخرى، فوافقت رضي الله عنها، فدفن عمر مع النبي عليه الصلاة والسلام وصاحبه.
وقال بعض المؤرخين: بقي موضع، وجملة من الروايات تدل على أنه سيدفن فيه عيسى ابن مريم، والله تعالى أعز وأعلى وأعلم.