ثم ذكر مولده صلوات الله وسلامه عليه، ونبدأ بالمتفق عليه وننتهي بالمختلف فيه كما هي طريقتنا في الشرح.
فالمتفق عليه أنه ولد في يوم الإثنين، وهذا مقطوع به، فقد قال عليه الصلاة والسلام:(ذلك يوم ولدت فيه) أي: يوم الإثنين، واختلف في أي يوم كان من الشهر مع الاتفاق على أنه كان في شهر ربيع الأول.
والمشهور عند العلماء -نقل بعض العلماء الإجماع عليه- أنه كان في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وهذا ما تجرأ عليه بعض العلماء فنقل الإجماع عليه، وليس عليه إجماع على الصحيح، وقيل: إنه في اليوم الثاني من شهر ربيع الأول، وقيل غير ذلك، ولكن الحساب الفلكي المعاصر يقول: إن يوم الإثنين في عام مولده صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يكون اليوم الثاني عشر، وإنما هو اليوم التاسع من شهر ربيع الأول.
فإن قال قائل: كيف يعرف بالفلك المعاصر الآن يوم قد مر عليه أكثر من ألف وأربعمائة وخمسين عاماً أو أكثر؟ فإننا نقول: إنه إذا دخل رمضان في يوم الجمعة، فبالحساب المعروف والمعقول والمعهود الذي لا يختلف فيه اثنان يستحيل أن يكون عيد الفطر في ذلك العام في يوم الجمعة؛ لأن الشهر ثلاثون يوماً، فإما أن يكون يوم الجمعة يوم ثمانية وعشرين، ولا يعقل أن يكون الشهر أقل من تسعة وعشرين، وإما أن يكون بعده بأسبوع، فيكون في اليوم الخامس والثلاثين، والشهر لا يكون خمسة وثلاثين يوماً، فعندما تقطع بأنه لا يمكن أن يكون العيد في هذا العام في يوم الجمعة فهذا بناء على حساب معروف، فهو عليه الصلاة والسلام ثبت عنه أنه وقف في عرفة في شهر ذي الحجة من العام العاشر في يوم الجمعة، فيمكن أن يرجع الإنسان إلى الخلف فيعرف أي يوم الإثنين في شهر ربيع الأول كان يوم مولده، ويوم الجمعة كذلك كان في اليوم السابع عشر في شهر رمضان الذي قاتل فيه النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، فمن الممكن أن ترجع إلى الوراء لتعرف، ولكن الفلكيين يرجعون إلى حسابات غير هذا، وأنا أتكلم في أن الأمر يمكن أن يستدل عليه بيسر.
وأكثر العلماء على أنه ولد عام الفيل، وعام الفيل هو العام الذي غزا فيه أبرهة الأشرم الكعبة، وهذا ثابت جملة بنص القرآن، قال الله:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}[الفيل:١]، فأصحاب الفيل هم أبرهة وجيشه {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ}[الفيل:٢] أي: مكرهم وإرادتهم الكعبة بسوء {فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}[الفيل:٢ - ٥].
ففي هذا العام الذي كان فيه محاولة غزو الكعبة من أبرهة -والعرب تؤرخ بالأحداث العظام- ولد نبينا صلى الله عليه وسلم، فأصبح المتفق عليه أنه ولد في عام الفيل في يوم الإثنين من شهر ربيع الأول، مع الخلاف في أي يوم ولد فيه تاريخياً، ولا ريب في أن يوم مولده لم يكن يوماً عادياً قطعاً: يوم يسير على الزمان صباحه ومساؤه بمحمد وضاء وإن كنا نعلم أنه لا يتعلق بمعرفة يوم مولده أمر شرعي، إلا أن يوم مولده صلى الله عليه وسلم لن يكون يوماً عادياً، فإن الدنيا بعد ولادته صلى الله عليه وسلم لم تكن كالدنيا قبل ولادته صلوات الله وسلامه عليه.