وأما يوم الوفاة فقد خرج إلى البقيع يتبع جنازة، وبعدها عاد صلى الله عليه وسلم وقد داهمه المرض، فمكث مريضاً كما بينت عشرة أيام، وفي خلال العشرة الأيام هذه كانت الحمى تغلبه، فكان يشتد عليه المرض، فخرج إلى أُحد فودعهم، ثم خرج إلى أهل البقيع ومعه غلام له يقال له أبو مويهبة، وقال:(ليهن لكم ما أنتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها)، ثم رجع إلى بيته، فلما اشتدت عليه الحمى آخر الأمر لم يقدر أن يذهب إلى الصلاة، فأمر أبا بكر أن يصلي بالناس وأوصى عائشة بهذا، فخافت عائشة لو أن أباها صلى بالناس سيتشاءم الناس من أبيها، فقالت:(يا رسول الله! إن أبا بكر رجل أسيف لا يملك دمعه، فمر عمر، وأمرت عمر، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت عمر، قال: يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر، مروا أبا بكر فليصل بالناس، وعاتب عائشة قائلاً: إنكن صواحب يوسف)، والمقصود بقوله عليه الصلاة والسلام:(إنكن صواحب يوسف) صواحب يوسف هن امرأة العزيز ومن معها، فقد أطعمت امرأة العزيز النساء وأدخلتهن دارها وأكرمتهن ولم تكن تقصد إكرامهن، وإنما كانت تقصد أن يرين يوسف فيعذرونها في افتتانها بجماله، فأظهرت شيئاً وأبطنت شيئاً، فـ عائشة رضي الله عنها اعتذرت ظاهراً بأن أباها رجل أسيف وهي لا تقصد هذا، وإنما تقصد أنها لا تريد أن يتشاءم الناس بأبيها فيموت النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قد صلى بالناس، هذا ما رأته عائشة، وهي صحابية مهما بلغت محدودة التفكير؛ لأنها بشر، لكن ما أراده الله شيء أعظم، فقد كانت صلاة أبي بكر بالناس هي من أكبر التمهيد لأن يكون خليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم في الأمة، وأنت تريد وهذا يريد والله يفعل ما يريد، ولله حكم بالغة يدركها من يشاء من عباده، ويخفيها الله جل وعلا عمن يشاء من عباده.
فصلى أبو بكر بالناس آخر أيام نبينا صلى الله عليه وسلم، وتوفي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، ونظر في صبيحته من الحجرة فرأى الصحابة قد اجتمعوا خلف أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه يصلي بالناس.