وأما قضية تعدد زواجه عليه الصلاة والسلام فبالنسبة لنا معشر المسلمين لا نقول: كيف تزوج النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة امرأة أو عقد على ثلاث عشرة امرأة، لماذا؟ لأننا نعلم أن الله جل وعلا جعله أفضل الخلق، ويعطيه يوم القيامة المقام المحمود، فهو صلى الله عليه وسلم لا يفتح باب الجنة إلا إذا طرقه، فيقول له الخازن من أنت؟ فيقول: أنا محمد، فإذا كنا نعلم هذا من دين، وأنه صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق، وأفضل الأنبياء والرسل، وأول من يطرق باب الجنة فلا نستكثر عليه بعد ذلك أن يهبه جل وعلا أن ينكح ما شاء الله من النساء.
فنحن -معشر المسلمين- مؤمنون أنه صلى الله عليه وسلم في أعلى الدرجات، فلا نستكثر أن يهبه ويمنحه ويعطيه الله أن يتزوج أكثر مما نتزوج نحن، أي: أكثر من أربع نساء، لكن كيف نرد على غير المسلمين؟ وهذه النقطة أكثر فيها القول المستشرقون وغيرهم في أنه عليه الصلاة والسلام تزوج كثيراً، فنقول: إنه عليه الصلاة والسلام لم يتزوج إلا بعد خديجة، أي: بعد أن أتم الخمسين، فلو كان زواجه عليه الصلاة والسلام لمجرد الشهوة الجسدية لتزوج قبل الخمسين، هذا أمر.
الأمر الثاني: أنه عليه الصلاة والسلام لم يتزوج بكراً إلا عائشة، وجميع نسائه الباقيات كن ثيبات، ولم يتزوج بكراً إلا عائشة، وأما الباقيات فكلهن تزوجهن لمصالح ستأتي في ذكر أسمائهن ومناسبة زواجه منهن.
الأمر الثالث: أن حياته صلى الله عليه وسلم لم تكن حياة غنىً وبطراً وثراء وفخراً وخيلاء، بل كان يمر الهلال ثم الهلال ثم الهلال شهران والنبي صلى الله عليه وسلم لم يوقد في بيته نار، فيقال لـ عائشة: ما طعامكم يومئذ؟ قالت: الأسودان التمر والماء.
ثم إن الله جل وعلا بين هذا الأمر، والدين ليس فيه غموض، فقال لنبيه أن يقول للنساء كما في آية الأحزاب:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}[الأحزاب:٢٨ - ٢٩]، فاخترن رضي الله عنهن وأرضاهن ضيق الحياة وشغف العيش مع نبينا صلى الله عليه وسلم؛ ليظفرن يوم القيامة بأن يكن أزواجه صلوات الله وسلامه عليه في الجنة.
كما أنهن رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن كان في زواجه منهن عليه الصلاة والسلام مصالح لا تعد ولا تستقصى في مصالح الدعوة.
فمنهن بنات أحب الناس وألصق الناس به كـ عائشة وحفصة بنتا أبي بكر وعمر، ومنهن بنات عدوه كـ صفية بنت حيي بن أخطب، ومنهن قريبات، ومنهن أرامل جاهد أزواجهن في سبيل الله ثم تركوا، فمنهن من ارتد زوجها وبقيت وحيدة في الغربة، فتزوجها حتى يلم عليها مسألة الغربة، فلمصالح عدة تزوج صلوات الله وسلامه عليه، ثم إنه عليه الصلاة والسلام أمر بأن يربي الجيل، ومن تربية الجيل تربية النساء، ولا سبيل له عليه الصلاة والسلام إلى أن يصل إلى النساء، فلما ربى أزواجه قمن رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن بتربية النساء وتعليم النساء مبادئ الدين والحكمة، فمصالح عدة لا تعد ولا تحصى في زواجه منهن صلوات الله وسلامه عليه.
أما هن ومناقبهن وشيء من سيرهن فهذا ما عرض له المؤلف إجمالاً، ونعلق عليه تفصيلاً.