ثم قال: ثم تزج سودة بنت زمعة بعد خديجة بمكة قبل الهجرة، وكانت قبله عند السكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو، وكبرت عنده وأراد طلاقها فوهبت يومها لـ عائشة فأمسكها.
وسودة رضي الله عنها وأرضاها كانت سيدة، ثبطة ثقيلة البدن، وطالب العلم إذا قرأ حياة أمهات المؤمنين يربطها بالفقه، ويربطها بالعقيدة، ويربطها السيرة؛ حتى يفهم السيرة العطرة لرسولنا صلى الله عليه وسلم.
قلنا: كانت ثبطة خفيفة الدم خفيفة الروح، وهي التي أذن لها صلى الله عليه وسلم في مزدلفة أن تغدو قبل حطمة الناس في الليل، أذن لها أن تخرج من مزدلفة في الليل قبل طلوع الشمس إلى منى، فقابلته رضي الله عنها في منى؛ لأنها كانت ثقيلة البدن بطيئة الحركة، حتى كانت إذا سعت تجعل سعيها متفرق رضي الله عنها وأرضاها، فهذا يعرف به الناس أن النبي عليه الصلاة والسلام بعث بالتيسير، وقال الله جل وعلا:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج:٧٨]، فلما رأى أم المؤمنين رضي الله عنها -وهي زوجته- ثقيلة البدن بطيئة الحركة، أذن لها أن تخرج قبله إلى منى حتى توافيه بمنى من مزدلفة في منتصف الليل تقريباً، كل ذلك تقديراً لوضعها رضي الله عنها وأرضاها.
وقلنا: إنها كانت امرأة ضخمة جداً وكانت مع ذلك خفيفة الروح، روى ابن سعد بسند مرسل: أنها صلت وراءه ذات يوم فأطال الركوع، فلما فرغ من صلاته قالت: لقد وضعت يدي على أنفي خشية أن يخرج الرعاف، فضحك صلى الله عليه وسلم لخفة دمها.
وهي أول امرأة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وفي آخر عمرها آخر أيامه عليه الصلاة والسلام وهبت يومها لـ عائشة، وتنازلت عن تلك الليلة لـ عائشة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحب عائشة فمالت مع ما يهواه؛ رغبة في أن تبقى يوم القيامة زوجة له صلوات الله وسلامه عليه.