وأما في الحديبية فإنه صلى الله عليه وسلم خرج حتى وصل إلى مكة، وقبيل مكة بركت الناقة، فقال من معه: خلأت القصواء، فقال:(والله ما خلأت وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل)، ثم فهم أنه لن يصل إلى البيت، وقال:(إن قريشاً لا تسألني اليوم خطة يعظمون فيها البيت إلا أعطيتهم إياها).
فهذا النص، -وهو قوله عليه الصلاة والسلام:(حبسها حابس الفيل) - قرأه كثير من العلماء، ولكن الفهم يتفاوت من عالم إلى عالم في استنباط الفوائد، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله -وهذا من دلائل قدرته العلمية-: إنه لا يلزم من التشبيه بين أمرين التشبه من كل وجه، فإن النبي عليه الصلاة والسلام شبه حبس ناقته بحبس الفيل، مع أن أصحاب الفيل كانوا على باطل محض، وصاحب الناقة صلى الله عليه وسلم كان على حق محض، ولكن المقصود هنا بالتشبيه شيء واحد، وهو حفظ الله جل وعلا لبيته، وليس المقصود تشبيه صاحب الناقة صلى الله عليه وسلم بصاحب الفيل أبرهة، فبينهما من البون والفرق ما لا يخفى على أحد.