للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل قال ابن حزم: «إنه - أي الخبر - في نفسه ظاهر الكذب والتوليد، لأنه لا يخلو عمر من أن يكون اتهم الصحابة، وفي هذا ما فيه، أو يكون نهى عن نفس الحديث وعن تبليغ السنن، وألزمهم كتمانها وجحدها، وهذا خروج من الإسلام وقد أعاذ الله أمير المؤمنين من كل ذلك، وهذا قول لا يقوله مسلم أصلاً.

ولئن كان حبسهم وهم غير متهمين لقد ظلمهم فليختر المحتج لمذهبه الفاسد بمثل هذه الروايات المطعونة أي الطريقتين الخبيثتين شاء» (١).

ومن دواعي الشك في هذه الرواية وعدم الثقة بها أن ابن مسعود كان يتبع مذهب عمر، وطريقته، وكان يقول: «لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا، وَسَلَكَ عُمَرُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ عُمَرَ وَشِعْبَهُ " وقد أرسله عمر إلى الكوفة ليعلم أهلها وقال لهم: «لَقَدْ آثَرْتُكُمْ بِعَبْدِ اللهِ عَلَى نَفْسِي» وقال فيه وفي عمار بن ياسر «هُمَا مِنَ النُّجَبَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -».

فكيف يعقل أن يخالف عمر في منهجه في الرواية؟ وكيف يعقل من عمر أن يحبسه؟ وما ذكر في رواية فاطمة من الزيادة الباطلة وهي: «لاَ نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لاَ نَدْرْي أَصَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ» (*) والحديث كما في " صحيح مسلم " (٢) قال عمر: «لاَ نَتْرُكُ كِتَابَ [اللهِ] وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ امْرَأَةٍ، لاَ نَدْرِي لَعَلَّهَا حَفِظَتْ، أَوْ نَسِيَتْ، لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ». الحديث وإنما جاء الغلط من اعتماده وسلفه صاحب " الضحى " على ما قاله المستشرقون وأخذ كلامهم قضية مُسَلَّمَةً، وقد اعتمد هؤلاء وأولئك على ما جاء في كتاب " مسلم الثبوت " وهو كتاب في أصول الفقه، لا كتاب حديث وهذه الكتب لا يعول عليها في معرفة الصحيح من الحسن من الضعيف، قال صاحب كتاب " نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي ": ص ١٢٦ ط ثالثة ما نصه: «وضع الحديث، وأقوال المستشرقين في ذلك»:

«وهنا مسألة جد خطيرة نرى من الخير أن نعرض لها ببعض التفصيل، وهي


(١) " الإحكام في أصول الأحكام " لابن حزم: جـ ٢ ص ١٣٩.
(٢) " صحيح مسلم ": - كتاب الطلاق - باب المطلقة ثلاثا لا نفقه لها.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) وفي هذا يقول الدكتور مصطفى السباعي - رَحِمَهُ اللهُ -: إن قول عمر «لاَ نَدْرْي أَصَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ» لم يرد في كتاب من كتب الحديث قاطبة، وقد بحثت في كل مصدر استطعت الوصول إليه من مصادر الحديث في مختلف دُورِ الكُتُبِ العامة فلم أعثر على من ذكره بهذا اللفظ، بل الذي فيها «حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ» ولم يرد ذلك اللفظ إلا في بعض كتب الأصول، كـ " مُسَلَّمَ الثُبُوتِ " مَعْزُواً إلى " صحيح مسلم "، وليس في " مسلم " إلا «حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ» وقد نَبَّهَ شارح " مُسَلَّمَ الثُبُوتِ " إلى هذا فقال: «وَالمَحْفُوظُ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ" " حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ "»، انظر " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " للدكتور مصطفى السباعي: ص ٢٦٤، ٢٦٥ الطبعة الثالثة - بيروت: ١٤٠٢ هـ - ١٩٨٢ م، المكتب الإسلامي: دمشق - سوريا، بيروت - لبنان. وانظر اَيْضًا: رأي الدكتور نور الدين عتر حيث يقول: «وأما زيادة "أصدقت أم كذبت" فلا أصل لها في رواية الحديث، وقد استغلها أعداء الإسلام، والعجب أن يذكرها بعض الكاتبين في "أصول الحديث" أو أصول الفقه، ثم يعزوها لمسلم اَيْضًا، ومسلم وغيره منها براء!!» " منهج النقد في علوم الحديث " للدكتور نور الدين عتر، ص ٥٣، الطبعة الثالثة: ١٤٠١ هـ - ١٩٨١ م، نشر دار الفكر دمشق - سورية.

<<  <   >  >>