للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وضع الحديث في هذا العصر، ولقد ساد إلى وقت قريب في أوساط المستشرقين الرأي القائل: بأن القسم الأكبر من الحديث ليس إلا نتيجة للتطور الديني، والسياسي، والاجتماعي للإسلام في القرنين الأول والثاني، وأنه ليس صحيحًا ما يقال: من أنه وثيقة للإسلام في عهده الأول: عهد الطفولة، ولكنه أثر من أثار جهود الإسلام في عصر النضوج» (١).

وقد شرحوا هذا الرأي (٢):

أولاً: بأنه في هذا العصر الأول الذي اشتدت فيه الخصومة بين الأمويين والعلماء الأتقياء وأخذ هؤلاء يستغلون جمع الحديث والسنة، ونظرًا لأن ما وقع في أيديهم من ذلك لم يكن ليسعفهم في تحقيق أغراضهم أخذوا يخترعون من عندهم أحاديث رأوها مرغوبًا فيها، ولا تنافي الروح الإسلامية، وَبَرَّرُوا ذلك أمام ضمائرهم، بأنهم إنما يفعلون هذا في سبيل محاربة الطغيان والإلحاد، والبعد عن سنن الدين، ونظرًا لأنهم كانوا يؤملون في أعداء البيت الأموي، وهم العلويون، فقد كان محط اختراعهم من أول الأمر مُوَجَّهًا إلى مدح أهل البيت، فيكون هذا سبيلاً غير مباشر في ثلب الأمويين ومهاجمتهم، وهكذا سار الحديث في القرن الأول سيرة المعارضة الساكتة بشكل مؤلم ضد هؤلاء المخالفين للسنن الفقهية والقانونية.

ثانيًا: ولم يقتصر الأمر على هؤلاء فإن الحكومة نفسها لم تقف ساكتة إزاء ذلك، فإذا ما أرادت أن تعمم رأيًا، أو تسكت هؤلاء الأتقياء - تذرعت اَيْضًا بالحديث أو تدعو إلى وضعه، وإذا ما أردنا أن نتعرف ذلك كله فإنه لا توجد مسألة خلافية سياسية، أو اعتقادية إلا ولها اعتماد على جملة من الأحاديث ذات الإسناد القوي فالوضع في الحديث، ونشر بعضه أو اضطهاد بعضه نشأ في وقت مبكر.


(١) قال المؤلف: هذا الرأي الذي ننقله هو رأي جولدتسيهر في كتابه " دراسات إسلامية "، وقد حرصنا على ترجمة هذا النص، حتى يتسنى للذين أَلَمُّوا بشيء منه أن يعرفوه بالتفصيل، ويعرفوا الرد عليه.
(٢) وقد رأيت تفصيل قولهم إلى شبه ليسهل الرد عليه وهذا التفصيل مني لا من المؤلف.

<<  <   >  >>