فالأمويون كانت طريقتهم، كما قال معاوية للمغيرة بن شعبة:«لاَ تُهْمِلْ فِي أَنْ تَسُبَّ عَلِيًّا، وَأنْ تَطْلُبَ الرَّحْمَةَ لِعُثْمَانَ، وَأَنْ تَسُبَّ أَصْحَابَ عَلِيٍّ، وَتَضْطَهِدَ مِنْ حَدِيثِهِمْ، وَعَلَى الضِدِّ مِنْ ذَلِكَ، أَنْ تَمْدَحَ عُثْمَانَ، وَأَهْلَهُ، وَأَنْ تُقَرِّبَهُمْ، وَتَسْمَعَ إِلَيْهِمْ»، على هذا الأساس قامت أحاديث الأمويين ضد عَلِيٍّ، ولم يكن الأمويون وأتباعهم ليهمهم الكذب في الحديث الموافق لوجهات نظرهم فالمسألة كانت في إيجاد هؤلاء الذين تنسب إليهم.
ثالثًا: وقد استغل هؤلاء الأمويون أمثال الإمام الزهري بدهائهم في سبيل وضع أحاديث فمن ذلك حديث: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى» الذي يمثل ميولهم السياسية في تقديس بيت المقدس، وجعله مثل البيت الحرام، ومسجد المدينة حتى يكون مَحَجًّا للناس، وذلك في الوقت الذي حرم فيه ابن الزبير أهل الشام من الحج إلى الكعبة، ويتصل بهذا الأحاديث التي جاءت في بيان فضل بيت المقدس، ثم أحاديث فضل الشام والمدينة، ولقد سمى الأمويون المدينة بالخبيثة، وسماها بعضهم المنتنة على خلاف تسميتها بالطيبة.
رابعًا: قال: ولم يقتصر الأمر على وضع أحاديث سياسية أو لصالح البيت الأموي بل تعدى ذلك إلى الناحية الدينية في أمور العبادات التي لا تتفق مع ما يراه أهل المدينة مثل ما هو معروف من أن خطبة الجمعة كانت خطبتين، وكان يخطب الخلفاء وقوفًا وأن خطبة العيد كانت تتبع الصلاة، فَغَيَّرَ الأمويون من ذلك، فكان يخطب الخليفة خطبة الجمعة جالسًا، وجعلوا خطبة العيد قبل الصلاة، واستدلوا لذلك بما رواه رجاء بن حيوة من أن الرسول والخلفاء كانوا يخطبون جلوسا، في حين قال جَابِرُ بْنَ سَمُرَة:«مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ جَالِساً فَقَدْ كَذَبَ» ومثل ذلك ما حصل من زيادة معاوية في درجات المنبر، وما كان من جعله المقصورة التي أزالها العباسيون بعد ذلك، كما لم يقتصر الأمر على نشر أحاديث ذات ميول بل تعداه إلى اضطهاد أحاديث لا تمثل وجهات النظر والعمل