للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على إخفائها وتوهيتها، فمما لا شك فيه أنه كانت هناك أحاديث في مصلحة الأمويين اختفت عند مجيء العباسيين.

خَامِسًا: وقد استدل في سبيل تأييد قوله بأدلة قدح بعض العلماء في بعض مما يخرجونه مخرج الجرح والتعديل، مما ورد كثير منه عن السلف القدماء (١)، يقول: فمن ذلك قول المحدث عاصم بن نبيل (٢) توفي (سَنَةَ ٢١٢ وَعُمُرُهُ تسعون سَنَةً): «مَا رَأَيْتُ الصَّالِحَ يَكْذِبُ فِي شَيْءٍ أَكْثَرَ مِنَ الْحَدِيثِ»، ويقول مثل ذلك يحيى بن سعيد القطان توفي (سَنَةَ ١٩٢) ويقول وكيع عن زياد بن عبد الله: «إِنَّهُ مَعَ شَرَفِهِ فِي الحَدِيثِ كَانِ كَذُوباً» ويقول يزيد بن هارون: «إِنَّ أَهْلَ الحَدِيثِ بِالكُوفَةِ فِي عَصْرِهِ، مَا عَدَا وَاحِدًا، كَانُوا مُدَلِّسِينَ، حَتَّى السُّفْيَانَانِ ذُكِرَا بَيْنَ المُدَلِّسِينَ».

سَادِسًا: قال: وقد شعر المسلمون في القرن الثاني بأن الاعتراف بصحة الأحاديث يجب أن يرجع إلى «الشكل» فقط، وأنه يوجد بين الأحاديث الجيدة الإسناد كثير من الأحاديث الموضوعة، وساعدهم على هذا ما ورد من الحديث: «سَيَكْثُرُ الحَدِيثُ عَنِّي، فَمَنْ حَدَّثَكُمْ بِحَدِيثٍ فَطَبِّقُوهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ، فَمَا وَافَقَهُ فَهُوَ ِمنِّي، قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ». وحديث ابن ماجه: «مَا [قِيلَ] (*) مِنْ قَوْلٍ حَسَنٍ فَأَنَا قُلْتُهُ» (٣) ويمكن أن نتبين شيئا من ذلك في الأحاديث الموثوق بها، فمن ذلك ما رواه مسلم «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِ الكِلاَبِ، إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ»، فأخبر ابن عمر أن أبا هريرة يزيد: " «أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ» " فقال ابن عمر: «إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ يَزْرَعٌهَا» (٤) فملاحظة ابن عمر تشير إلى أن ما يفعله المحدث لغرض نفسه.


(١) راجع شيئًا من هذا في " جامع بيان العلم وفضله " لابن عبد البر، و " تلبيس إبليس " لابن الجوزي: ص ١١٧.
(٢) هكذا قال والصحيح: أبو عاصم النبيل واسمه: الضحاك بن مخلد.
(٣) راجع ضعف هذه الأحاديث في " الموافقات " [للشاطبي]: جـ ٤ ص ١٨.
(٤) " صحيح مسلم ": كتاب الصيد.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) «قِيلَ» وليس «قُلْتُ»، انظر: ابن ماجه: " السنن "، تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، المقدمة، (٢) بَابُ تَعْظِيمِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّغْلِيظِ عَلَى مَنْ عَارَضَهُ، حديث رقم ٢١، ١/ ١٠، طبعة سنة: ١٣٩٥ هـ - ١٩٧٥ م، نشر دار إحياء التراث العربي. بيروت - لبنان.

<<  <   >  >>