للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإذعان والقبول لما صح عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحرى بالمؤمن المتثبت وأولى وفي كل يوم تتقدم فيه العلوم والمعارف البشرية يظهر الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - من الآيات الأنفسية والآفاقية والكونية ما يدل على صدق القرآن الكريم، وصدق نبينا محمد - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وصدق الله حيث يقول: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ (١) الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (٢) بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين!!!

تَوْضِيحٌ وَتَنْبِيهٌ:

أحب أن أقول إن الأمر في قوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ» وفي قوله «ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ» إنما هو للإرشاد والتعليم وليس على سبيل الوجوب.

وأيضًا فليس في الحديث أمر بالشرب من الشراب، ولا أمر بالأكل من الطعام بعد الغمس والإخراج بل هذا متروك لنفس كل إنسان فمن أراد أن يأكل منه أو يشرب بعد فله ذلك، ومن عافت نفسه ذلك فلا حرج عليه في ذلك، والشيء قد يكون حَلاَلاً ولكن تعافه النفس، وذلك كالضب فقد كان أكله حَلاَلاً، ومع ذلك عافته نفس رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يأكل منه، لأنه لم يكن بديار قومه، ثم أليس فيما أرشد إليه المُشَرِّعُ الحَكِيمُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والموحي إليه من رب العالمين ما يعتبر حِفْظًا للمال من الإضاعة؟! بلى، والله.

إن الكثيرين من الناس في البيئات الفقيرة لا يريقون الشراب ولا الطعام الذي سقط فيه الذباب، وإنما يخرجونه، ثم يشربون منه ويأكلون ولا يرون في ذلك حَرَجًا، وتعافه نفوسهم لأنهم لم يحصلوا على هذا الشراب أو الطعام إلا بعد الكد والتعب والعرق، وقد رأيت بعيني من يفعل ذلك، وهو راض بما صنع قرير العين


(١) الضمير يعود على القرآن ويدخل اَيْضًا السُنَّةُ النَّبَوِيَّةُ التي هي شارحة للقرآن ومفسرة له، والتي تعتبر الأصل الثاني من أصول التشريع.
(٢) [سورة فصلت، الآية: ٥٣]. ومعنى شهيد: عليم وخبير لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

<<  <   >  >>