للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وملوكهم كَمَا قَالَ بعض السّلف صنفان إِذا صلحا صلح سَائِر النَّاس واذا فسدا فسد سَائِر النَّاس الْعلمَاء والامراء قَالَ عبد الله بن الْمُبَارك:

وَهل افسد الدّين الا الملو ... ك واحبار سوء ورهبانها وَلما كَانَ للسمع وَالْبَصَر من الادراك مَا لَيْسَ لغَيْرِهِمَا من الاعضاء كَانَا فِي أشرف جُزْء من الانسان وَهُوَ وَجهه وَكَانَا من افضل مَا فِي الانسان من الاجزاء والاعضاء وَالْمَنَافِع وَاخْتلف فِي الافضل مِنْهُمَا فَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم ابو الْمَعَالِي وَغَيره السّمع افضل قَالُوا لَان بِهِ تنَال سَعَادَة الدُّنْيَا والاخرة فانها انما تحصل بمتابعة الرُّسُل وَقبُول رسالاتهم وبالسمع عرف ذَلِك فان من لَا سمع لَهُ لَا يعلم مَا جاؤا بِهِ وايضا فان السّمع يدْرك بِهِ اجل شَيْء وافضله وَهُوَ كَلَام الله تَعَالَى الَّذِي فَضله على الْكَلَام كفضل الله على خلقه وايضا فان الْعُلُوم انما تنَال بالتفاهم والتخاطب وَلَا يحصل ذَلِك الا بِالسَّمْعِ وايضا فان مدركه اعم من مدرك الْبَصَر فانه يدْرك الكليات والجزئيات وَالشَّاهِد وَالْغَائِب وَالْمَوْجُود والمعدوم وَالْبَصَر لَا يدْرك الا بعض المشاهدات والسمع يسمع كل علم فاين احدهما من الاخر وَلَو فَرضنَا شَخْصَيْنِ احدهما يسمع كَلَام الرَّسُول وَلَا يرى شخصه والاخر بَصِير يرَاهُ وَلَا يسمع كَلَامه لصممه هَل كَانَا سَوَاء وايضا ففاقد الْبَصَر انما يفقد ادراك بعض الامور الْجُزْئِيَّة الْمُشَاهدَة ويمكنه مَعْرفَتهَا بِالصّفةِ وَلَو تَقْرِيبًا واما فَاقِد السّمع فَالَّذِي فَاتَهُ من الْعلم لَا يُمكن حُصُوله بحاسة الْبَصَر وَلَو قَرِيبا وايضا فان ذمّ الله تَعَالَى للْكفَّار بِعَدَمِ السّمع فِي الْقُرْآن اكثر من ذمه لَهُم بِعَدَمِ الْبَصَر بل انما يذمهم بِعَدَمِ الْبَصَر تبعا لعدم الْعقل والسمع وايضا فان الَّذِي يُورِدهُ السّمع على الْقلب من الْعُلُوم لَا يلْحقهُ فِيهِ كلال وَلَا سآمة وَلَا تَعب مَعَ كثرته وعظمه وَالَّذِي يُورِدهُ الْبَصَر عَلَيْهِ يلْحقهُ فِيهِ الكلال والضعف وَالنَّقْص وَرُبمَا خشى صَاحبه على ذَهَابه مَعَ قلته ونزارته بِالنِّسْبَةِ الى السّمع وَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم ابْن قُتَيْبَة بل الْبَصَر افضل فان اعلا النَّعيم وافضله واعظمه لَذَّة هُوَ النّظر الى الله فِي الدَّار الاخرة وَهَذَا انما ينَال بالبصر وَهَذِه وَحدهَا كَافِيَة فِي تفضيله قَالُوا وَهُوَ مُقَدّمَة الْقلب وطليعته ورائده فمنزلته مِنْهُ اقْربْ من منزلَة السّمع وَلِهَذَا كثيرا مَا يقرن بَينهمَا فِي الذّكر بقوله {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} فالاعتبار بِالْقَلْبِ وَالْبَصَر بِالْعينِ وَقَالَ تَعَالَى {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كَمَا لم يُؤمنُوا بِهِ أول مرّة} وَلم يقل واسماعهم وَقَالَ تَعَالَى {فَإِنَّهَا لَا تعمى الْأَبْصَار وَلَكِن تعمى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور} وَقَالَ تَعَالَى {قُلُوب يَوْمئِذٍ واجفة أبصارها خاشعة} وَقَالَ تَعَالَى {يعلم خَائِنَة الْأَعْين وَمَا تخفي الصُّدُور} وَقَالَ فِي حق رَسُوله {مَا كذب الْفُؤَاد مَا رأى} ثمَّ قَالَ {مَا زاغ الْبَصَر وَمَا طَغى} هَذَا يدل على شدَّة الوصلة والارتباط بَين الْقلب وَالْبَصَر وَلِهَذَا يقْرَأ الانسان مَا فِي قلب

<<  <  ج: ص:  >  >>