للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ان يَقُول هَذَا لمن اسْلَمْ مِنْهُم وَصدق بِهِ وَلِهَذَا لَا يذكر سُبْحَانَهُ الَّذين اوتوا نَصِيبا من الْكتاب الا بالذم ايضا كَقَوْلِه {ألم تَرَ إِلَى الَّذين أُوتُوا نَصِيبا من الْكتاب يُؤمنُونَ بالجبت والطاغوت} الاية وَقَالَ تَعَالَى {ألم تَرَ إِلَى الَّذين أُوتُوا نَصِيبا من الْكتاب يشْتَرونَ الضَّلَالَة ويريدون أَن تضلوا السَّبِيل} وَقَالَ {ألم تَرَ إِلَى الَّذين أُوتُوا نَصِيبا من الْكتاب يدعونَ إِلَى كتاب الله ليحكم بَينهم ثمَّ يتَوَلَّى فريق مِنْهُم وهم معرضون} فالاقسام اربعة الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب وَهَذَا لَا يذكرهُ سُبْحَانَهُ إِلَّا فِي معرض الْمَدْح وَالَّذين اوتوا نَصِيبا من الْكتاب لَا يكون قطّ الا فِي معرض الذَّم وَالَّذين اوتوا الْكتاب اعم مِنْهُ فانه قد يتناولهما وَلَكِن لَا يفرد بِهِ الممدوحون قطّ وَيَا أهل الْكتاب يعم الْجِنْس كُله ويتناول الممدوح مِنْهُ والمذموم كَقَوْلِه من اهل الْكتاب امة قَائِمَة يَتلون آيَات الله آنَاء اللَّيْل وهم يَسْجُدُونَ يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الاخر الْآيَة وَقَالَ فِي الذَّم {لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين منفكين} وَهَذَا الْفَصْل ينْتَفع بِهِ جدا فِي أكبر مسَائِل اصول الاسلام وَهِي مسئلة الايمان وَاخْتِلَاف اهل الْقبْلَة فِيهِ وَقد ذكرنَا فِيهِ نكتا حسانا يَتَّضِح بهَا الْحق فِي الْمَسْأَلَة وَالله اعْلَم الْوَجْه الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ ان الله سُبْحَانَهُ فاوت بَين النَّوْع الانساني اعظم تفَاوت يكون بَين المخلوقين فَلَا يعرف اثْنَان من نوع وَاحِد بَينهمَا من التَّفَاوُت مَا بَين خير الْبشر وشرهم وَالله سُبْحَانَهُ خلق الْمَلَائِكَة عقولا بِلَا شهوات وَخلق الْحَيَوَانَات ذَوَات شهوات بِلَا عقول وَخلق الانسان مركبا من عقل وشهوة فَمن غلب عقله شَهْوَته كَانَ خيرا من الْمَلَائِكَة وَمن غلبت شَهْوَته عقله كَانَ شرا من الْحَيَوَانَات وفاوت سُبْحَانَهُ بَينهم فِي الْعلم فَجعل عالمهم معلم الْمَلَائِكَة كَمَا قَالَ تَعَالَى {يَا آدم أنبئهم بِأَسْمَائِهِمْ} وَتلك مرتبَة لَا مرتبَة فَوْقهَا وَجعل جاهلهم بِحَيْثُ لَا يرضى الشَّيْطَان بِهِ وَلَا يصلح لَهُ كَمَا قَالَ الشَّيْطَان لجاهلهم الَّذِي اطاعه فِي الْكفْر {إِنِّي بَرِيء مِنْك} وَقَالَ لجهلتهم الَّذين عصوا رَسُوله إِنِّي بَرِيء مِنْكُم فَللَّه مَا أَشد هَذَا التَّفَاوُت بَين شَخْصَيْنِ احدهما تسْجد لَهُ الْمَلَائِكَة وَيعلمهَا مِمَّا الله علمه والاخر لَا يرضى الشَّيْطَان بِهِ وليا وَهَذَا التَّفَاوُت الْعَظِيم إِنَّمَا حصل بِالْعلمِ وثمرته وَلَو لم يكن فِي الْعلم الا الْقرب من رب الْعَالمين والالتحاق بعالم الْمَلَائِكَة وصحبة الْمَلأ الاعلى لكفى بِهِ فضلا وشرفا فَكيف وَعز الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مَنُوط بِهِ ومشروط بحصوله الْوَجْه الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ ان اشرف مَا فِي الانسان مَحل الْعلم مِنْهُ وَهُوَ قلبه وسَمعه وبصره وَلما كَانَ الْقلب هُوَ مَحل الْعلم والسمع رَسُوله الَّذِي ياتيه بِهِ وَالْعين طليعته كَانَ ملكا على سَائِر الاعضاء يأمرها فتاتمر لامره ويصرفها فتنقاد لَهُ طَائِعَة بِمَا خص بِهِ من الْعلم دونهَا فَلذَلِك كَانَ ملكهَا والمطاع فِيهَا وَهَكَذَا الْعَالم فِي النَّاس كالقلب فِي الاعضاء وَلما كَانَ صَلَاح الاعضاء بصلاح ملكهَا ومطاعها وفسادها بفساده كَانَت هَذِه حَال النَّاس مَعَ عُلَمَائهمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>