الَّذين اوتوا الْكتاب مَبْنِيا للْمَفْعُول فالاول كَقَوْلِه تَعَالَى {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب من قبله هم بِهِ يُؤمنُونَ وَإِذا يُتْلَى عَلَيْهِم قَالُوا آمنا بِهِ إِنَّه الْحق من رَبنَا إِنَّا كُنَّا من قبله مُسلمين أُولَئِكَ يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} الايات وَكَقَوْلِه تَعَالَى {أفغير الله أَبْتَغِي حكما وَهُوَ الَّذِي أنزل إِلَيْكُم الْكتاب مفصلا وَالَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يعلمُونَ أَنه منزل من رَبك بِالْحَقِّ فَلَا تكونن من الممترين} فَهَذَا فِي سِيَاق مدحهم والاستشهاد بهم لَيْسَ فِي سِيَاق ذمهم والاخبار بعنادهم وجحودهم كَمَا استشهدهم فِي قَوْله تَعَالَى قل كفى بِاللَّه شَهِيدا ببني وَبَيْنكُم وَمن عِنْده علم الْكتاب وَفِي قَوْله فاسلألوا اهل الذّكر ان كُنْتُم لَا تعلمُونَ وَقَالَ تَعَالَى {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يتلونه حق تِلَاوَته أُولَئِكَ يُؤمنُونَ بِهِ وَمن يكفر بِهِ فَأُولَئِك هم الخاسرون} وَاخْتلف فِي الضَّمِير فِي يتلونه حق تِلَاوَته فَقيل هُوَ ضمير الْكتاب الَّذِي اوتوه قَالَ ابْن مَسْعُود يحلونَ حَلَاله ويحرمون حرَامه ويقرؤنه كَمَا انْزِلْ وَلَا يحرفونه عَن موَاضعه قَالُوا وانزلت فِي مؤمني اهل الْكتاب وَقيل هَذَا وصف للْمُسلمين وَالضَّمِير فِي يتلونه للْكتاب الَّذِي هُوَ الْقُرْآن وَهَذَا بعيد إِذا عرف ان الْقُرْآن يأباه وَلَا يرد على مَا ذكرنَا قَوْله تَعَالَى {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم وَإِن فريقا مِنْهُم ليكتمون الْحق وهم يعلمُونَ} بل هَذَا حجَّة لنا ايضا لما ذكرنَا فَإِنَّهُ أخبر فِي الاول عَن معرفتهم بِرَسُولِهِ وَدينه وقبلته كَمَا يعْرفُونَ ابناءهم اسْتِشْهَادًا بهم على من كفر وثناء عَلَيْهِم وَلِهَذَا ذكر الْمُفَسِّرُونَ انهم عبد الله بن سَلام واصحابه وَخص فِي آخر الاية بالذم طَائِفَة مِنْهُم فَدلَّ على ان الاولين غير مذمومين وكونهم دخلُوا فِي جملَة الاولين بِلَفْظ الْمُضمر لَا يُوجب ان يُقَال آتَيْنَاهُم الْكتاب عِنْد الاطلاق فانهم دخلُوا فِي هَذَا اللَّفْظ ضمنا وتبعا فَلَا يلْزم تنَاوله لَهُم قصدا واختيارا وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَة الانعام قل ائنكم لتشهدون ان مَعَ الله آلِهَة اخرى قل لَا اشْهَدْ قل إِنَّمَا هُوَ اله وَاحِدَة وإنني برِئ مِمَّا تشركون الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ ابناءهم قيل الرَّسُول وَصدقه وَقيل الْمَذْكُور هُوَ التَّوْحِيد وَالْقَوْلَان متلازما اذ ذَلِك فِي معرض الاستشهاد والاحتجاج على الْمُشْركين لافي معرض ذمّ الَّذين آتَاهُم الْكتاب فَإِن السُّورَة مَكِّيَّة وَالْحجاج كَانَ فِيهَا مَعَ اهل الشّرك والسياق يدل على الِاحْتِجَاج لاذم الْمَذْكُورين من اهل الْكتاب واما الثَّانِي فكقوله وان الَّذين اوتوا الْكتاب ليعلمون انه الْحق من رَبهم وَمَا الله بغافل عَمَّا يعلمُونَ وَلَئِن اتيت الَّذين اوتوا الْكتاب بِكُل آيَة ماتبعوا قبلتك فَهَذَا شَهَادَته سُبْحَانَهُ للَّذين اوتوا الْكتاب والاول شَهَادَته للَّذين آتَاهُم الْكتاب بِأَنَّهُم يُؤمنُونَ وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين أُوتُوا الْكتاب آمنُوا بِمَا نزلنَا مُصدقا لما مَعكُمْ من قبل أَن نطمس وُجُوهًا فنردها على أدبارها} وَقَالَ تَعَالَى {وَقل للَّذين أُوتُوا الْكتاب والأميين أأسلمتم} وَهَذَا خطاب لمن لم يسلم مِنْهُم وَإِلَّا فَلم يُؤمر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute