للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينفى سُبْحَانَهُ عَنْهُم السّمع تَارَة ويثبته اخرى قَالَ الله تَعَالَى {وَلَو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم} وَمَعْلُوم انهم قد سمعُوا الْقُرْآن وَأمر الرَّسُول باسماعهم إِيَّاه وَقَالَ تَعَالَى {وَقَالُوا لَو كُنَّا نسْمع أَو نعقل مَا كُنَّا فِي أَصْحَاب السعير} فَهَذَا السّمع الْمَنْفِيّ عَنْهُم سمع الْفَهم وَالْفِقْه وَالْمعْنَى وَلَو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم سمعا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَهُوَ فقهه الْمَعْنى وعقله والا فقد سَمِعُوهُ سمعا تقوم بِهِ عَلَيْهِم الْحجَّة وَلَكِن لما سَمِعُوهُ مَعَ شدَّة بغضه وكراهته ونفرتهم عَنهُ لم يفهموه وَلم يعقلوه وَالرجل إِذا اشتدت كَرَاهَته للْكَلَام ونفرته عَنهُ لم يفهم مَا يُرَاد بِهِ فَينزل منزلَة من لم يسمعهُ قَالَ تَعَالَى {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمع وَمَا كَانُوا يبصرون} نفى عَنهُ استطاعة السّمع مَعَ صِحَة حواسهم وسلامتها وَإِنَّمَا لفرط بغضهم ونفرتهم عَنهُ وَعَن كَلَامه صَارُوا بِمَنْزِلَة من لَا يَسْتَطِيع ان يسمعهُ وَلَا يرَاهُ وَهَذَا اسْتِعْمَال مَعْرُوف للخاصة والعامة يَقُولُونَ لَا اطيق انْظُر الى فلَان وَلَا استطيع ان اسْمَع كَلَامه من بغضه ونفرته عَنهُ وَبَعض الجبرية يحْتَج بِهَذِهِ الاية وَشبههَا على مَذْهَبهم وَلَا دلَالَة فِيهَا إِذْ لَيْسَ المُرَاد سلبهم السّمع وَالْبَصَر الَّذِي تقوم بِهِ الْحجَّة قطعا وَإِنَّمَا المُرَاد سلب السّمع الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ فَائِدَته وثمرته وَالْقدر حق وَلَكِن الْوَاجِب تَنْزِيل الْقُرْآن مَنَازِله وَوضع الايات موَاضعهَا وَاتِّبَاع الْحق حَيْثُ كَانَ وَمثل هَذَا إِذا لم يحصل لَهُ فهم الْخطاب لَا يعْذر بذلك لَان الافة مِنْهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَة من سد اذنيه عِنْد الْخطاب فَلم يسمعهُ فَلَا يكون ذَلِك عذرا لَهُ وَمن هَذَا قَوْلهم {قُلُوبنَا فِي أكنة مِمَّا تدعونا إِلَيْهِ وَفِي آذاننا وقر وَمن بَيْننَا وَبَيْنك حجاب} يعنون انهم فِي ترك الْقبُول مِنْهُ ومحبة الاسماع لما جَاءَ بِهِ وإيثار الاعراض عَنهُ وَشدَّة النفار عَنهُ بِمَنْزِلَة من لَا يعقله وَلَا يسمعهُ وَلَا يبصر الْمُخَاطب لَهُم بِهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقُولُونَ لَا خُلُود فِي النَّار وَلَو كُنَّا نسْمع اَوْ نعقل مَا كُنَّا فِي اصحاب السعير وَلِهَذَا جعل ذَلِك مَقْدُورًا لَهُم وذنبا اكتسبوه فَقَالَ تَعَالَى {فَاعْتَرفُوا بذنبهم فسحقا لأَصْحَاب السعير} وَالله تَعَالَى يَنْفِي تَارَة عَن هَؤُلَاءِ الْعقل والسمع وَالْبَصَر فانها مدارك الْعلم واسباب حُصُوله وَتارَة ينفى عَنْهُم السّمع وَالْعقل وَتارَة ينفى عَنْهُم السّمع وَالْبَصَر وَتارَة ينفى عَنْهُم الْعقل وَالْبَصَر وَتارَة ينفى عَنْهُم وَحده فنفى الثَّلَاثَة نفي لمدارك الْعلم بطرِيق الْمُطَابقَة وَنفى بَعْضهَا نفي لَهُ بالمطابقة والاخر باللزوم فان الْقلب إِذا فسد فسد السّمع وَالْبَصَر بل اصل فسادهما من فَسَاده وَإِذا فسد السّمع وَالْبَصَر فسد الْقلب فَإِذا اعْرِض عَن سمع الْحق وابغض قَائِله بِحَيْثُ لَا يحب رُؤْيَته امْتنع وُصُول الْهدى الى الْقلب ففسد وَإِذا فسد السّمع وَالْعقل تبعهما فَسَاد الْبَصَر فَكل مدرك من هَذِه يَصح بِصِحَّة الاخر وَيفْسد بفساده فَلهَذَا يَجِيء فِي الْقُرْآن نفي ذَلِك صَرِيحًا ولزوما وَبِهَذَا التَّفْصِيل يعلم اتِّفَاق الادلة من الجانين وَفِي اسْتِدْلَال الطَّائِفَة الثَّانِيَة بقوله {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم} ونظائرها نظر فان الله تَعَالَى حَيْثُ قَالَ {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب} لم يَكُونُوا إِلَّا ممدوحين مُؤمنين وَإِذا اراد ذمهم وَالْأَخْبَار عَنْهُم بالعناد وايثار الضلال اتى بِلَفْظ

<<  <  ج: ص:  >  >>