للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{بِالْعرْفِ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين} لَيْسَ المُرَاد أعراضه عَمَّن لَا علم عِنْده فَلَا يُعلمهُ وَلَا يرشده وَإِنَّمَا المُرَاد اعراضه عَن جهل من جهل عَلَيْهِ فَلَا يُقَابله وَلَا يعاتبه قَالَ مقَاتل وَعُرْوَة وَالضَّحَّاك وَغَيرهم صن نَفسك عَن مقابلتهم على سفههم وَهَذَا كثير فِي كَلَامهم وَمِنْه الحَدِيث إِذا كَانَ صَوْم احدكم فَلَا يصخب وَلَا يجهل وَمن هذاتسمية الْمعْصِيَة جهلا قَالَ قَتَادَة اجْمَعْ اصحاب مُحَمَّد ان كل من عصى الله فَهُوَ جَاهِل وَلَيْسَ المُرَاد انه جَاهِل بِالتَّحْرِيمِ إِذْ لَو كَانَ جاهلال لم يكن عَاصِيا فَلَا يَتَرَتَّب الْحَد فِي الدُّنْيَا والعقوبة فِي الاخرة على جَاهِل بِالتَّحْرِيمِ بل نفس الذَّنب يُسمى جهلا وَإِن علم مرتكبه بِتَحْرِيمِهِ إِمَّا انه لَا يصدر الا عَن ضعف الْعلم ونقصانه وَذَلِكَ جهل فَسمى باسم سَببه وَإِمَّا تَنْزِيلا لفَاعِله منزلَة الْجَاهِل بِهِ الثَّانِي انهم لما ردوا الْحق وَرَغبُوا عَنهُ عوقبوا بالطبع والرين وسلب الْعقل والفهم كَمَا قَالَ تَعَالَى عَن الْمُنَافِقين {ذَلِك بِأَنَّهُم آمنُوا ثمَّ كفرُوا فطبع على قُلُوبهم فهم لَا يفقهُونَ} الثَّالِث ان الْعلم الَّذِي ينْتَفع بِهِ ويستلزم النجَاة والفلاح لم يكن حَاصِلا لَهُم فسلب عَنْهُم حَقِيقَته وَالشَّيْء قد ينتفى لنفي ثَمَرَته وَالْمرَاد مِنْهُ قَالَ تَعَالَى فِي سَاكن النَّار فَإِن لَهُ نَار جَهَنَّم لَا يَمُوت فِيهَا وَلَا يحيا نفى الْحَيَاة لانْتِفَاء فائدتها وَالْمرَاد مِنْهَا وَيَقُولُونَ لَا مَال إِلَّا مَا انفق وَلَا علم إِلَّا مَا نفع وَلِهَذَا نفى عَنهُ سُبْحَانَهُ عَن الْكفَّار الاسماع والابصار والعقول لما لم ينتفعوا بهَا وَقَالَ تَعَالَى {وَجَعَلنَا لَهُم سمعا وأبصارا وأفئدة فَمَا أغْنى عَنْهُم سمعهم وَلَا أَبْصَارهم وَلَا أفئدتهم من شَيْء إِذْ كَانُوا يجحدون بآيَات الله} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَد ذرأنا لِجَهَنَّم كثيرا من الْجِنّ وَالْإِنْس لَهُم قُلُوب لَا يفقهُونَ بهَا وَلَهُم أعين لَا يبصرون بهَا وَلَهُم آذان لَا يسمعُونَ بهَا} وَلما لم يحصل لَهُم الْهدى الْمَطْلُوب بِهَذِهِ الْحَواس كَانُوا يمنزلة فاقديها قَالَ تَعَالَى {صم بكم عمي فهم لَا يعْقلُونَ} فالقلب يُوصف بالبصر والعمى والسمع والصمم والنطق والبكم بل هَذِه لَهُ اصلا وللعين والاذن وَاللِّسَان تبعا فَإِذا عدمهَا الْقلب فصاحبه اعمى مَفْتُوح الْعين اصم وَلَا آفَة باذنه ابكم وَإِن كَانَ فصيح اللِّسَان قَالَ تَعَالَى فَإِنَّهَا لاتعمى الابصار وَلَكِن تعمى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور فَلَا تنَافِي بَين قيام الْحجَّة بِالْعلمِ وَبَين سلبه ونفيه بالطبع والختم والقفل على قُلُوب من لَا يعْمل بِمُوجب الْحجَّة وينقاد لَهَا قَالَ تَعَالَى وَإِذا قَرَأت الْقُرْآن جعلنَا بَيْنك وَبَين الَّذين لايؤمنون بالاخرة حِجَابا مَسْتُورا وَجَعَلنَا على قُلُوبهم اكنة ان يفقهوه وَفِي آذانهم وقرا وَإِذا ذكرت رَبك فِي الْقُرْآن وَحده ولوا على أدبارهم نفورا فَأخْبر سُبْحَانَهُ انه مَنعهم فقه كَلَامه وَهُوَ الادراك الَّذِي ينْتَفع بِهِ من فقهه وَلم يكن ذَلِك مَانِعا لَهُم من الادراك الَّذِي تقوم بِهِ الْحجَّة عَلَيْهِم فانهم لَو لم يفهموه جملَة مَا ولوا على أدبارهم نفورا عِنْد ذكر تَوْحِيد الله فَلَمَّا ولوا عِنْد ذكر التَّوْحِيد دلّ على انهم كَانُوا يفهمون الْخطاب وان الَّذِي غشى قُلُوبهم كَالَّذي غشى آذانهم وَمَعْلُوم انهم لم يعدموا لاسمع جملَة ويصيروا كالاصم وَلذَلِك

<<  <  ج: ص:  >  >>