لَان طبع على قُلُوبهم وَلَا ريب ان الْقلب اذا طبع عَلَيْهِ اظلمت صُورَة الْعلم فِيهِ وانطمست وَرُبمَا ذهب اثرها حَتَّى يصير السَّبَب الَّذِي يَهْتَدِي بِهِ المهتدون سَببا لضلال هَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى {يضل بِهِ كثيرا وَيهْدِي بِهِ كثيرا وَمَا يضل بِهِ إِلَّا الْفَاسِقين الَّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل ويفسدون فِي الأَرْض أُولَئِكَ هم الخاسرون} فاخبر تَعَالَى ان الْقُرْآن سَبَب لضلال هَذَا الصِّنْف من النَّاس وهوهداه الَّذِي هدى بِهِ رَسُوله وعباده الْمُؤمنِينَ وَلِهَذَا اخبر سُبْحَانَهُ إِنَّه إِنَّمَا يَهْتَدِي بِهِ من اتبع رضوَان الله قَالَ تَعَالَى {وَإِذا مَا أنزلت سُورَة فَمنهمْ من يَقُول أَيّكُم زادته هَذِه إِيمَانًا فَأَما الَّذين آمنُوا فزادتهم إِيمَانًا وهم يستبشرون وَأما الَّذين فِي قُلُوبهم مرض فزادتهم رجسا إِلَى رجسهم وماتوا وهم كافرون} وَلَا شَيْء اعظم فَسَادًا لمحل الْعلم من صَيْرُورَته بِحَيْثُ يضل بِمَا يَهْتَدِي بِهِ فنسبته الى الْهدى وَالْعلم نِسْبَة الْفَم الَّذِي قد استحكمت فِيهِ المرارة الى المَاء العذب كَمَا قيل:
وَمن يَك ذَا فَم مر مَرِيض ... يجد مرا بِهِ المَاء الزلالا واذا فسد الْقلب فسد إِدْرَاكه وَإِذا فسد الْفَم فسد إِدْرَاكه وَكَذَلِكَ اذا فَسدتْ الْعين واهل الْمعرفَة من الصيارفة يَقُولُونَ ان من خَافَ فِي نَقده نسى النَّقْد وسلبه فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْخَالِص بالزغل وَمن كَلَام بعض السّلف يَهْتِف الْعلم بِالْعَمَلِ فان اجابه حل والا ارتحل وَقَالَ بعض السّلف كُنَّا نستعين على حفظ الْعلم بِالْعَمَلِ بِهِ فَترك الْعَمَل بِالْعلمِ من اقوى الاسباب فِي ذَهَابه ونسيانه وايضا فَإِن الْعلم يُرَاد للْعَمَل فَإِنَّهُ يمنزلة الدَّلِيل للسائر فَإِذا لم يسر خلف الدَّلِيل لم ينْتَفع بدلالته فَنزل منزلَة من لم يعلم شَيْئا لَان من علم وَلم يعْمل بِمَنْزِلَة الْجَاهِل الَّذِي لَا يعلم كَمَا ان من ملك ذَهَبا وَفِضة وجاع وعرى وَلم يشتر مِنْهَا مَا يَأْكُل ويلبس فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْفَقِير العادم كَمَا قيل:
وَمن ترك الانفاق عِنْد احْتِيَاجه ... مَخَافَة فقر فَالَّذِي فعل الْفقر وَالْعرب تسمى الْفُحْش وَالْبذَاء جهلا اما لكَونه ثَمَرَة الْجَهْل فيسمى باسم سَببه وموجبه وَأما لَان الْجَهْل يُقَال فِي جَانب الْعلم وَالْعَمَل قَالَ الشَّاعِر:
الا لَا يجهلن اُحْدُ علينا ... فنجهل فَوق جهل الحاهلينا ... وَمن هَذَا قَول مُوسَى لِقَوْمِهِ وَقد قَالُوا {أتتخذنا هزوا قَالَ أعوذ بِاللَّه أَن أكون من الْجَاهِلين} فَجعل الِاسْتِهْزَاء بِالْمُؤْمِنِينَ جهلا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن يُوسُف انه قَالَ {وَإِلَّا تصرف عني كيدهن أصب إلَيْهِنَّ وأكن من الْجَاهِلين} وَمن هَذَا قَوْله تَعَالَى {خُذ الْعَفو وَأمر}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute