للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الْمُقْتَضى امْر يُضعفهُ فِي نَفسه ويسلبه اقتصاءه وقوته اَوْ الِاقْتِضَاء بِحَالهِ وَإِمَّا غلب الْمَانِع فَكَانَ التاثير لَهُ وَمِثَال ذَلِك فِي مسئلتنا انه بِوُجُود هَذِه الْمَوَانِع الْمَذْكُورَة اَوْ بَعْضهَا هَل يضعف الْعلم حَتَّى لَا يصير مؤثرا الْبَتَّةَ اَوْ الْعلم بِحَالهِ وَلَكِن الْمَانِع بقوته غلب فَكَانَ الحكم لَهُ هَذَا سر الْمَسْأَلَة وفقهها فَأَما الاول فَلَا شكّ فِيهِ وَلَكِن الشان فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ بَقَاء الْعلم بِحَالهِ وَالتَّحْقِيق ان الْمَوَانِع تحجبه وتعميه وَرُبمَا قلبت حَقِيقَته من الْقلب وَالْقُرْآن قد دلّ على هَذَا قَالَ تَعَالَى {وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم لم تؤذونني وَقد تعلمُونَ أَنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم فَلَمَّا زاغوا أزاغ الله قُلُوبهم وَالله لَا يهدي الْقَوْم الْفَاسِقين} فعاقبهم سُبْحَانَهُ بازاغة قُلُوبهم عَن الْحق لما زاغوا عَنهُ ابْتِدَاء وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كَمَا لم يُؤمنُوا بِهِ أول مرّة ونذرهم فِي طغيانهم يعمهون} وَلِهَذَا قيل من عرض عَلَيْهِ حق فَرده فَلم يقبله عُوقِبَ بِفساد قلبه وعقله ورأيه وَمن هُنَا قيل لَا رَأْي لصَاحب هوى فان هَوَاهُ يحملهُ على رد الْحق فَيفْسد الله عَلَيْهِ رَأْيه وعقله قَالَ تَعَالَى {فبمَا نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيَات الله وقتلهم الْأَنْبِيَاء بِغَيْر حق وَقَوْلهمْ قُلُوبنَا غلف} اخبر سُبْحَانَهُ ان كفرهم بِالْحَقِّ بعد ان علموه كَانَ سَببا لطبع الله على قُلُوبهم {بل طبع الله عَلَيْهَا بكفرهم} حَتَّى صَارَت غلفًا والغلف جمع اغلف وَهُوَ الْقلب الَّذِي قد غشيه غلاف كالسيف الَّذِي فِي غلافه وكل شَيْء فِي غلافه فَهُوَ اغلف وَجمعه غلف يُقَال سيف اغلف وقوس غلفاء وَرجل اغلف واقلف اذا لم يختن وَالْمعْنَى قُلُوبنَا عَلَيْهَا غشاوة وغطاء فَلَا تفقه مَا تَقول يَا مُحَمَّد وَلم تع شَيْئا من قَالَ ان الْمَعْنى انها غلف للْعلم وَالْحكمَة أَي اوعية لَهَا فَلَا يحْتَاج الى قَوْلك وَلَا تقبله اسْتغْنَاء بِمَا عِنْدهم لوجوه احدها ان غلف جمع اغلف كقلف واقلف وحمر واحمر وجرد واجرد وَغلب واغلب ونظائره والاغلف من الْقُلُوب هُوَ الدَّاخِل فِي الغلاف هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف من اللُّغَة الثَّانِي انه لَيْسَ من الِاسْتِعْمَال السائغ الْمَشْهُور ان يُقَال قلب فلَان غلاف لكذا وَهَذَا لَا يكَاد يُوجد فِي شَيْء من نثر كَلَامهم ولانظمه وَلَا نَظِير لَهُ فِي الْقُرْآن فَيحمل عَلَيْهِ وَلَا هُوَ من التَّشْبِيه البديع المستحسن فَلَا يجوز حمل الاية عَلَيْهِ الثَّالِث ان نَظِير قَول هَؤُلَاءِ قَول الاخرين من الْكفَّار {قُلُوبنَا فِي أكنة مِمَّا تدعونا إِلَيْهِ} والاكنة هَناه هِيَ الغلف الَّتِي قُلُوب هَؤُلَاءِ فِيهَا والاكنة كالاوعية والاغطية الَّتِي تغطى الْمَتَاع وَمِنْه الْكِنَايَة لغلاف السِّهَام الرَّابِع ان سِيَاق الاية لَا يحسن مَعَ الْمَعْنى الَّذِي ذَكرُوهُ وَلَا يحسن مُقَابلَته بقوله {بل طبع الله عَلَيْهَا بكفرهم} وَإِنَّمَا يحسن مَعَ هَذَا الْمَعْنى ان يسلب عَنْهُم الْعلم وَالْحكمَة الَّتِي ادعوها كَمَا قيل لَهُم لما ادعوا ذَلِك {وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} وَأما هُنَا فَلَمَّا ادعوا ان قُلُوبهم فِي اغطية واغشية لاتفقه قَوْله قوبلوا بَان عرفهم ان كفرهم ونقضهم ميثاقهم وقتلهم الانبياء كَانَ سَببا

<<  <  ج: ص:  >  >>