فالمكارم منوطة بالمكارة والسعادة لَا يعبر اليها الا على جسر الْمَشَقَّة فَلَا تقطعمسافتها الا فِي سفينة الْجد وَالِاجْتِهَاد قَالَ مُسلم فِي صَحِيحه قَالَ يحيى بن ابي كثير لاينال الْعلم براحة الْجِسْم وَقد قيل من طلب الرَّاحَة ترك الرَّاحَة
فيا وصل الحبيب اما اليه ... بِغَيْر مشقة ابدا طَرِيق
وَلَوْلَا جهل الاكثرين بحلاوة هَذِه اللَّذَّة وَعظم قدرهَا لتجالدوا عَلَيْهَا بِالسُّيُوفِ وَلَكِن حفت بحجاب من المكاره وحجبوا عَنْهَا بحجاب من الْجَهْل ليختص الله لَهَا من يَشَاء من عباده وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم الْوَجْه السَّادِس وَالثَّمَانُونَ ان الله تَعَالَى خلق الموجودات وَجعل لكل شَيْء مِنْهَا كمالا يخْتَص بِهِ هُوَ غَايَة شرفه فَإِذا عدم كَمَاله انْتقل الى الرُّتْبَة الَّتِي دونه وَاسْتعْمل فِيهَا فَكَانَ اسْتِعْمَاله فِيهَا كَمَال امثاله فاذا عدم تِلْكَ ايضا نقل الى مَا دونهَا وَلَا تعطل وَهَكَذَا ابدا حَتَّى اذا عدم كل فَضِيلَة صَار كالشوك وكالحطب الَّذِي لَا يصلح الا للوقود فالفرس اذا كَانَت فِيهِ فروسيته التَّامَّة اعد لمراكب الْمُلُوك واكرم أكرام مثله فَإِذا نزل عَنْهَا قَلِيلا اعد لمن دون الْملك فَإِن ازْدَادَ تَقْصِيره فِيهَا اعد لاحاد الاجناد فان تقاصر عَنْهَا جملَة اسْتعْمل اسْتِعْمَال الْحمار اما حول الْمدَار واما لنقل الزبل وَنَحْوه فان عدم ذَلِك اسْتعْمل اسْتِعْمَال الاغنام للذبح والاعدام كَمَا يُقَال فِي الْمثل ان فرسين التقيا احدهما تَحت ملك والاخر تَحت الروايا فَقَالَ فرس الْملك اما انت صَاحِبي وَكنت انا وانت فِي مَكَان وَاحِد فَمَا الَّذِي نزل بك الى هَذِه الْمرتبَة فَقَالَ مَا ذَاك الا انك هملجت قَلِيلا ونعكست انا وَهَكَذَا السَّيْف اذا نباعما هيء لَهُ وَلم يصلح لَهُ ضرب مِنْهُ فاس اَوْ منشار وَنَحْوه وَهَكَذَا الدّور الْعِظَام الحسان اذا خرجت وتهدمت اتَّخذت حظائر للغنم اَوْ الابل وَغَيرهَا وَهَكَذَا الادمي اذا كَانَ صَالحا لاصطفاء الله لَهُ برسالته ونبوته اتَّخذهُ رَسُولا وَنَبِيًّا كَمَا قَالَ تَعَالَى الله اعْلَم حَيْثُ يَجْعَل رسَالَته فاذا كَانَ جوهره قاصرا عَن هَذِه الدرجَة صَالحا لخلافة النُّبُوَّة وميراثها رشحه لذَلِك وبلغه اياه فَإِذا كَانَ قاصرا عَن ذَلِك قَابلا لدرجة الْولَايَة رشح لَهَا وان كَانَ مِمَّن يصلح للْعَمَل وَالْعِبَادَة دون الْمعرفَة وَالْعلم جعل من اهله حَتَّى يَنْتَهِي الى دَرَجَة عُمُوم الْمُؤمنِينَ فان نقص عَن هَذِه الدرجَة وَلم تكن نَفسه قَابِلَة لشَيْء من الْخَيْر اصلا اسْتعْمل حطبا ووقودا للنار وَفِي اثر اسرائيلي ان مُوسَى سَأَلَ ربه عَن شان من يعذبهم من خلقه فَقَالَ يَا مُوسَى ازرع زرعا فزرعه فاوحى اليه ان احصده ثمَّ اوحى اليه ان أنسفه وذره فَفعل وخلص الْحبّ وَحده والعيدان والعصف وَحده فاوحى اليه اني لاجعل فِي النَّار من الْعباد من لَا خير فِيهِ بِمَنْزِلَة العيدان والشوك الَّتِي لَا يصلح الا للنار وَهَكَذَا الانسان يترقى فِي دَرَجَات الْكَمَال دَرَجَة بعد