عِنْد الله قدرا وهم حطب كل فتْنَة بهم توقد ويشب ضرامها فَإِنَّهَا يَهْتَز لَهَا اولو الدّين ويتولاها الهمج الرعاع وسمى داعيهم ناعقا تَشْبِيها لَهُم بالانعام الَّتِي ينعق بهَا الرَّاعِي فتذهب مَعَه ايْنَ ذهب قَالَ تَعَالَى وَمثل الَّذين كفرُوا كَمثل الَّذِي ينعق بِمَا لَا يسمع الا دعاءا ونداءا صم بكم عمي فهم لَا يعْقلُونَ وَهَذَا الَّذِي وَصفهم بِهِ امير الْمُؤمنِينَ هُوَ من عدم علمهمْ وظلمة قُلُوبهم فَلَيْسَ لَهُم نور وَلَا بصيره يفرقون بهَا بَين الْحق وَالْبَاطِل بل الْكل عِنْدهم سَوَاء وَقَوله رضى الله عَنهُ يميلون مَعَ كل ريح وَفِي رِوَايَة مَعَ كل صائح شبه عُقُولهمْ الضعيفة بالغصن الضَّعِيف وَشبه الاهوية والاراء بالرياح والغصن يمِيل مَعَ الرّيّ حَيْثُ مَالَتْ وعقول هَؤُلَاءِ تميل مَعَ كل هوى وكل دَاع وَلَو كَانَت عقولا كَامِلَة كَانَت كالشجرة الْكَبِيرَة الَّتِي لاتتلاعب بهَا الرِّيَاح وَهَذَا بِخِلَاف الْمثل الَّذِي ضربه النَّبِي للْمُؤْمِنين بالخامة من الزَّرْع تفيئه الرّيح مرّة وتقيمه اخرى وَالْمُنَافِق كشجرة الارز الَّتِي لَا تقطع حَتَّى تستحصد فَإِن هَذَا الْمثل ضرب لِلْمُؤمنِ وَمَا يلقاه من عواصف الْبلَاء والاوجاع والاوجال وَغَيرهَا فَلَا يزَال بَين عَافِيَة وبلاء ومحنة ومنحة وَصِحَّة وسقم وَأمن وَخَوف وَغير ذَلِك فَيَقَع مرّة وَيقوم اخرى ويميل تَارَة ويعتدل اخرى فيكفر عَنهُ بالبلاء ويمحص بِهِ ويخلص من كدره وَالْكَافِر كُله خبث وَلَا يصلح الا للوقود فَلَيْسَ فِي إِصَابَته فِي الدُّنْيَا بانواع الْبلَاء من الْحِكْمَة وَالرَّحْمَة مَا فِي اصابة الْمُؤمن فَهَذِهِ حَال الْمُؤمن فِي الِابْتِلَاء واما مَعَ الاهواء ودعاة الْفِتَن والضلال والبدع فَكَمَا قيل:
تَزُول الْجبَال الراسيات وَقَلبه ... على الْعَهْد لَا يلوى وَلَا يتَغَيَّر وَقَوله رضى الله عَنهُ لم يستضيئوا بِنور الْعلم وَلم يلجئوا الى ركن وثيق بَين السَّبَب الَّذِي جعلهم بِتِلْكَ المثابة وَهُوَ انه لم يحصل لَهُم من الْعلم نور يفرقون بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل كَمَا قَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وآمنوا بِرَسُولِهِ يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته وَيجْعَل لكم نورا تمشون بِهِ} وَقَالَ تَعَالَى {أَو من كَانَ مَيتا فأحييناه وَجَعَلنَا لَهُ نورا يمشي بِهِ فِي النَّاس كمن مثله فِي الظُّلُمَات لَيْسَ بِخَارِج مِنْهَا} وَقَوله تَعَالَى {يهدي بِهِ الله من اتبع رضوانه سبل السَّلَام ويخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} الاية وَقَوله {وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نورا نهدي بِهِ من نشَاء من عبادنَا} فَإِذا عدم الْقلب هَذَا النُّور صَار بِمَنْزِلَة الحيران الَّذِي لَا يدْرِي ايْنَ يذهب فَهُوَ لحيرته وجهله بطرِيق مَقْصُوده يؤم كل صَوت يسمعهُ وَلم يسكن قُلُوبهم من الْعلم مَا تمْتَنع بِهِ من دعاة الْبَاطِل فَإِن الْحق مَتى اسْتَقر فِي الْقلب قوى بِهِ وَامْتنع مِمَّا يضرّهُ ويهلكه وَلِهَذَا سمى الله الْحجَّة العلمية سُلْطَانا وَتقدم قدم ذَلِك فَالْعَبْد يُؤْتى من ظلمَة بصيرته وَمن ضعف قلبه فاذا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute