للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتَقر فِيهِ الْعلم النافع استنارت بصيرته وقوى قلبه وَهَذَانِ الاصلان هما قطب السَّعَادَة اعني الْعلم وَالْقُوَّة وَقد وصف بهما سُبْحَانَهُ الْمعلم الاول جِبْرِيل صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ فَقَالَ {إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى علمه شَدِيد القوى} وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَة التكوير {إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم ذِي قُوَّة عِنْد ذِي الْعَرْش مكين} فوصفه بِالْعلمِ وَالْقُوَّة وَفِيه معنى احسن من هَذَا وَهُوَ الاشبه بِمُرَاد على رضى الله عَنهُ وَهُوَ ان هَؤُلَاءِ لَيْسُوا من اهل البصائر الَّذين استضاؤا بِنور الْعلم وَلَا لجئوا الى عَالم مستبصر فقلدوه وَلَا متبعين لمستبصر فَإِن الرجل اما ان يكون بَصيرًا اَوْ اعمى متمسكا ببصير يَقُودهُ اَوْ اعمى يسير بِلَا قَائِد وَقَوله رضى الله عَنهُ الْعلم خير من المَال الْعلم يحرسك وانت تحرس المَال يَعْنِي ان الْعلم يحفظ صَاحبه ويحميه من مواردالهلكة ومواقع العطب فَإِن الانسان لَا يلقى نَفسه فِي هلكة إِذا كَانَ عقله مَعَه وَلَا يعرضهَا لمتلف إِلَّا إِذا كَانَ جَاهِلا بذلك لَا علم لَهُ بِهِ فَهُوَ كمن يَأْكُل طَعَاما مسموما فالعالم بالسم وضرره يَحْرُسهُ علمه وَيمْتَنع بِهِ من اكله وَالْجَاهِل بِهِ يقْتله جَهله فَهَذَا مثل حراسة الْعلم للْعَالم وَكَذَا الطَّبِيب الحاذق يمْتَنع بِعِلْمِهِ عَن كثير مَا يجلب لَهُ الامراض والاسقام وَكَذَا الْعَالم بمخاوف طَرِيق سلوكه ومعاطبها يَأْخُذ حذره مِنْهَا فيحرسه علمه من الْهَلَاك وَهَكَذَا الْعَالم بِاللَّه وبامره وبعدوه ومكائده ومداخله على العَبْد يَحْرُسهُ علمه من وساوس الشَّيْطَان وخطراته والقاء الشَّك والريب وَالْكفْر فِي قلبه فَهُوَ بِعِلْمِهِ يمْتَنع من قبُول ذَلِك فَعلمه يَحْرُسهُ من الشَّيْطَان فَكلما جَاءَ ليأخذه صَاح بِهِ حرس الْعلم والايمان فَيرجع خاسئا خائبا واعظم مَا يَحْرُسهُ من هَذَا الْعَدو الْمُبين الْعلم والايمان فَهَذَا السَّبَب الَّذِي من العَبْد وَالله من وَرَاء حفظه وحراسته وكلاءته فَمَتَى وَكله الى نَفسه طرفَة عين تخطفه عدوه قَالَ بعض العارفين اجْمَعْ العارفون على ان التَّوْفِيق ان لَا يكلك الله الى نَفسك واجمعوا على ان الخذلان ان يخلى بَيْنك وَبَين نَفسك وَقَوله الْعلم يزكوا على الانفاق وَالْمَال تنقصه النَّفَقَة الْعَالم كلما بذل علمه للنَّاس وانفق مِنْهُ تَفَجَّرَتْ بنابيعه فازداد كَثْرَة وَقُوَّة وظهورا فيكتسب بتعليمه حفظ مَا علمه وَيحصل لَهُ بِهِ علم مَا لم يكن عِنْده وَرُبمَا تكون المسئلة فِي نَفسه غير مكشوفة وَلَا خَارِجَة من حيّز الاشكال فَإِذا تكلم بهَا وَعلمهَا اتضحت لَهُ واضاءت وَانْفَتح لَهُ مِنْهَا عُلُوم اخر وايضا فَإِن الْجَزَاء من جنس الْعَمَل فَكَمَا علم الْخلق من جهالتهم جزاه الله بَان كلمة من جهالته كَمَا فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث عِيَاض بن حمَار عَن النَّبِي انه قَالَ فِي حَدِيث طَوِيل وان الله قَالَ لي انفق انفق عَلَيْك وَهَذَا يتَنَاوَل نَفَقَة الْعلم اما بِلَفْظِهِ وَإِمَّا بتنبيهه وإشارته وفحواه ولزكاء الْعلم وَنَحْوه طَرِيقَانِ احدهما تَعْلِيمه وَالثَّانِي الْعَمَل بِهِ فَإِن الْعَمَل بِهِ ايضا ينميه ويكثره وَيفتح لصَاحبه ابوابه وخباياه وَقَوله وَالْمَال تنقصه النَّفَقَة لَا يُنَافِي قَول النَّبِي مَا نقصت صَدَقَة من مَال فَإِن المَال إِذا تَصَدَّقت مِنْهُ وانفقت ذهب ذَلِك الْقدر

<<  <  ج: ص:  >  >>