وَخَلفه غَيره وَأما الْعلم فكالقبس من النَّار لَو اقتبس مِنْهَا الْعَالم لم يذهب مِنْهَا شَيْء بل يزِيد الْعلم بالاقتباس مِنْهُ فَهُوَ كَالْعَيْنِ الَّتِي كلما اخذ مِنْهَا قوى ينبوعها وجاش معينها وَفضل الْعلم على المَال يعلم من وُجُوه احدها ان الْعلم مِيرَاث الانبياء وَالْمَال مِيرَاث الْمُلُوك والاغنياء وَالثَّانِي ان الْعلم يحرس صَاحبه وَصَاحب المَال يحرس مَاله وَالثَّالِث ان المَال تذهبه النَّفَقَات وَالْعلم يزكوا على النَّفَقَة الرَّابِع ان صَاحب المَال إِذا مَاتَ فَارقه مَاله وَالْعلم يدْخل مَعَه قَبره الْخَامِس ان الْعلم حَاكم على المَال وَالْمَال لَا يحكم على الْعلم السَّادِس ان المَال يحصل لِلْمُؤمنِ وَالْكَافِر وَالْبر والفاجر وَالْعلم النافع لَا يحصل الا لِلْمُؤمنِ ز السَّابِع ان الْعَالم يحْتَاج اليه الْمُلُوك فَمن دونهم وَصَاحب المَال إِنَّمَا يحْتَاج اليه اهل الْعَدَم والفاقة الثَّامِن ان النَّفس تشرف وتزكو بِجمع الْعلم وتحصيله وَذَلِكَ من كمالها وشرفها وَالْمَال يزكيها وَلَا يكمله وَلَا يزيدها صفة كَمَال بل النَّفس تنقص وتشح وتبخل بجمعه والحرص عَلَيْهِ فحرصها على الْعلم عين كمالها وحرصها على المَال عين نَقصهَا التَّاسِع ان المَال يدعوها الى الطغيان وَالْفَخْر وَالْخُيَلَاء وَالْعلم يدعوها إِلَى التوضع وَالْقِيَام بالعبودية فَالْمَال يدعوها الى صِفَات الْمُلُوك وَالْعلم يدعوها الى صِفَات العبيد الْعَاشِر ان الْعلم جاذب موصل لَهَا الى سعادتها الَّتِي خلقت لَهَا وَالْمَال حجاب بَينهَا وَبَينهَا الْحَادِي عشر ان غَنِي الْعلم اجل من غَنِي المَال فَإِن غَنِي المَال غنى بامر خارجي عَن حَقِيقَة الانسان لَو ذهب فِي لَيْلَة اصبح فَقِيرا معدما وغني الْعلم لَا يخْشَى عَلَيْهِ الْفقر بل هُوَ فِي زايدة ابدا فَهُوَ الْغَنِيّ العالي حَقِيقَة كَمَا قيل
غنيت بِلَا مَال عَن النَّاس كلهم ... وان الْغَنِيّ العالي عَن الشَّيْء لَا بِهِ الثَّانِي عشر ان المَال يستعبد محبه وَصَاحبه فَيَجْعَلهُ عبدا لَهُ كَمَا قَالَ النَّبِي تعس عبد الدِّينَار وَالدِّرْهَم الحَدِيث وَالْعلم يستعبده لرَبه وخالقه فَهُوَ لَا يَدعُوهُ إِلَّا الى عبودية الله وَحده الثَّالِث عشر ان احب الْعلم وَطَلَبه اصل كل طَاعَة وَحب الدُّنْيَا وَالْمَال وَطَلَبه اصل كل سَيِّئَة الرَّابِع عشر ان قيمَة الْغَنِيّ مَاله وَقِيمَة الْعَالم علمه فَهَذَا مُتَقَوّم بِمَالِه فَإِذا عدم مَاله عدمت قِيمَته وَبَقِي بِلَا قيمَة والعالم لاتزول قِيمَته بل هِيَ فيضاعف وَزِيَادَة دَائِما الْخَامِس عشر ان جَوْهَر المَال من جنس جَوْهَر الْبدن وجوهر الْعلم من جنس جَوْهَر الرّوح كَمَا قَالَ يُونُس بن حبيب علمك من روحك وَمَالك من بدنك وَالْفرق بَين الامرين كالفرق بَين الرّوح وَالْبدن السَّادِس عشر ان الْعَالم لَو عرض عَلَيْهِ بحظه من الْعلم الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا لم يرضها عوضا من علمه والغني الْعَاقِل إِذا رأى شرف الْعلم وفضله وابتهاجه بِالْعلمِ وكماله بِهِ يود لَو ان لَهُ علمه بغناه اجْمَعْ السَّابِع عشر انه مَا اطاع الله اُحْدُ قطّ الا بِالْعلمِ وَعَامة من يعصيه إِنَّمَا يعصيه بِالْمَالِ الثَّامِن عشر ان الْعَالم يَدْعُو النَّاس الى الله بِعِلْمِهِ وحاله وجامع المَال يَدعُوهُم الى الدُّنْيَا بِحَالهِ وَمَاله التَّاسِع عشر ان غنى المَال قد يكون سَبَب هَلَاك صَاحبه كثيرا فَإِنَّهُ معشوق النُّفُوس فَإِذا رَأَتْ من يستأثر بمعشوقها عَلَيْهَا سعت فِي هَلَاكه كَمَا هُوَ الْوَاقِع وَأما غنى