للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وان وصفهَا صدق فِي وصفهَا اذ يَقُول

ارى اشقياء النَّاس لَا يسأمونها ... على انهم فِيهَا عُرَاة وجوع اراها وان كَانَت تحب فَإِنَّهَا ... سَحَابَة صيف عَن قَلِيل تقشع ... فرحلت عَن قُلُوبهم مُدبرَة كَمَا ترحلت عَن اهلها موليه واقبلت الْآخِرَة الى قُلُوبهم مسرعة كَمَا اسرعت الى الْخلق مقبلة فامتطوا ظُهُور العزائم وهجروا لَذَّة الْمَنَام وَمَا ليل الْمُحب بنائم علمُوا طول الطَّرِيق وَقلة الْمقَام فِي منزل التزود فسارعوا فِي الجهاز وجد بهم السّير الى منَازِل الاحباب فَقطعُوا المراحل وطووا المفاوز وَهَذَا كُله من ثَمَرَات الْيَقِين فان الْقلب إِذا استيقن مَا امامه من كَرَامَة الله وَمَا اعد لاوليائه بِحَيْثُ كَأَنَّهُ ينظر اليه من وَرَاء حجاب الدُّنْيَا وَيعلم انه إِذا زَالَ الْحجاب رأى ذَلِك عيَانًا زَالَت عَنهُ الوحشة الَّتِي يجدهَا المتخلفون ولان لَهُ مَا استوعره المترفون وَهَذِه الْمرتبَة هِيَ اول مَرَاتِب الْيَقِين وَهِي علمه وتيقنه وَهِي الْكَشَّاف الْمَعْلُوم للقلب بِحَيْثُ يُشَاهِدهُ وَلَا يشك فِيهِ كانكشاف المرئي لِلْبَصَرِ ثمَّ يَليهَا الْمرتبَة الثَّانِيَة وَهِي مرتبَة عين الْيَقِين ونسبتها الى الْعين كنسبة الاول الى الْقلب ثمَّ تَلِيهَا الْمرتبَة الثَّالِثَة وَهِي حق الْيَقِين وَهِي مُبَاشرَة الْمَعْلُوم وإدراكه الادراك التَّام فالاولى كعلمك بَان فِي هَذَا الْوَادي مَاء وَالثَّانِي كرؤيته وَالثَّالِثَة كالشرب مِنْهُ وَمن هَذَا مَا يرْوى فِي حَدِيث حَارِثَة وَقَول النَّبِي كَيفَ اصبحت يَا حَارِثَة قَالَ اصبحت مُؤمنا حَقًا قَالَ إِن لكل قَول حَقِيقَة فَمَا حَقِيقَة إيمانك قَالَ عزفت نَفسِي عَن الدُّنْيَا وشهواتها فاسهرت ليلِي وَأَظْمَأت نهاري وكاني انْظُر الى عرش رَبِّي بارزا وكاني انْظُر الى اهل الْجنَّة بتزاورون فِيهَا والى اهل النَّار يتعاوون فِيهَا فَقَالَ عبد نور الله قلبه فَهَذَا هُوَ هجوم الْعلم بِصَاحِبِهِ على حَقِيقَة الامر وَمن وصل الى هَذَا استلان مَا يستوعره المترفون وَأنس مِمَّا يشتوحش مِنْهُ الجاهلون وَمن لم يثبت قدم إيمَانه على هَذِه الدرجَة فَهُوَ إِيمَان ضَعِيف وعلامة هَذَا انْشِرَاح الصَّدْر لمنازل الايمان وانفساحه وطمأنينة الْقلب لأمر الله والانابة الى ذكر الله ومحبته والفرح بلقائه والتجافي عَن دَار الْغرُور كَمَا فِي الاثر الْمَشْهُور إِذا دخل النُّور الْقلب اِنْفَسَحَ وانشرح قيل وَمَا عَلامَة ذَلِك قَالَ التَّجَافِي عَن دَار الْغرُور والانابة الى دَار الخلود والاستعداد للْمَوْت قبل نُزُوله وَهَذِه هِيَ الْحَال الَّتِي كَانَت تحصل للصحابة عِنْد النَّبِي إِذا ذكرهم الْجنَّة وَالنَّار كَمَا فِي التِّرْمِذِيّ وَغَيره من حَدِيث الْجريرِي عَن ابي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن حَنْظَلَة الاسدي وَكَانَ من كتاب النَّبِي انه مر بِأبي بكر رضى الله عَنهُ وَهُوَ يبكي فَقَالَ مَالك يَا حَنْظَلَة فَقَالَ نَافق حَنْظَلَة يَا ابا بكر نَكُون عِنْد رَسُول الله يذكرنَا بِالْجنَّةِ وَالنَّار كَانَا رأى عين فَإِذا رَجعْنَا إِلَى الازواج والضيعة نَسِينَا كثيرا قَالَ فوَاللَّه إِنَّا لكذلك انْطلق بِنَا الى رَسُول الله فَانْطَلَقْنَا فَلَمَّا رَآهُ رَسُول الله قَالَ مَالك يَا حَنْظَلَة قَالَ نَافق حَنْظَلَة يَا رَسُول الله نَكُون عنْدك تذكرنا بالنَّار وَالْجنَّة كَانَا

<<  <  ج: ص:  >  >>