للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأى عين فَإِذا رَجعْنَا عافسنا الازواج والضيعة ونسينا كثيرا قَالَ فَقَالَ رَسُول الله لَو تدومون على الْحَال الَّتِي تقومون بهَا من عِنْدِي لصافحتكم الْمَلَائِكَة فِي مجالسكم وَفِي طرقكم وعَلى فرشكم وَلَكِن يَا حَنْظَلَة سَاعَة وَسَاعَة سَاعَة وَسَاعَة قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَفِي التِّرْمِذِيّ ايضا نَحوه من حَدِيث ابي هُرَيْرَة وَالْمَقْصُود ان الَّذِي يهجم بِالْقَلْبِ على حَقِيقَة الايمان ويلين لَهُ مَا يستوعره غَيره ويؤنسه بِمَا يستوحش مِنْهُ سَوَاء الْعلم التَّام وَالْحب الْخَالِص وَالْحب تبع للْعلم يقوى بقوته ويضعف بضعفه والمحب لَا يستوعر طَرِيقا توصله الى محبوبه وَلَا يستوحش فِيهَا وَقَوله صحبوا الدُّنْيَا بابدان ارواحها معلقَة بالملأ الاعلى وَفِي رِوَايَة بِالْمحل الاعلى الرّوح فِي هَذَا الْجَسَد بدار غربَة وَلها وَطن غَيره فَلَا تَسْتَقِر الا فِي وطنها وَهِي جَوْهَر علوي مَخْلُوق من مَادَّة علوِيَّة وَقد اضطرت الى مساكنة هَذَا الْبدن الكثيف فَهِيَ دَائِما تطلب وطنها فِي الْمحل الاعلى وتحن اليه حنين الطير الى اوكارها وكل روح فَفِيهَا ذَلِك وَلَكِن لفرط اشتغالها بِالْبدنِ وبالمحسوسات المالوفة اخلدت الى الارض ونسيت معلمها ووطنها الَّذِي لَا رَاحَة لَهَا فِي غَيره فَإِنَّهُ لَا رَاحَة لِلْمُؤمنِ دون لِقَاء ربه وَالدُّنْيَا سجنه حَقًا فَلهَذَا تجدالمؤمن بدنه فِي الدُّنْيَا وروحه فِي الْمحل الاعلى وَفِي الحَدِيث الْمَرْفُوع إِذا نَام العَبْد وَهُوَ ساجد باهي الله بِهِ الْمَلَائِكَة فَيَقُول انْظُرُوا الى عَبدِي بدنه فِي الارض وروحه عِنْدِي رَوَاهُ تَمام وَغَيره وَهَذَا معني قَول بعض السّلف الْقُلُوب جوالة فَقلب حول الْحَشْر وقلب يطوف مَعَ الْمَلَائِكَة حول الْعَرْش فأعظم عَذَاب الرّوح انغماسها وتدسيسها فِي أعماق الْبدن واشتغالها بملاذه وانقطاعها عَن مُلَاحظَة مَا خلقت لَهُ وهيئت لَهُ وَعَن وطنها ومحلها وَمحل انسها ومنزل كرامتها وَلَكِن سكر الشَّهَوَات يحجبها عَن مطالعة هَذَا الالم وَالْعَذَاب فَإِذا صحت من سكرها وافاقت من غمرتها اقبلت عَلَيْهَا جيوش الحسرات من كل جَانب فَحِينَئِذٍ تتقطع حسرات على مَا فاتها من كَرَامَة الله وقربه والانس بِهِ والوصول الى وطنها الَّذِي لَا رَاحَة لَهَا الا فِيهِ كَمَا قيل:

صحبتك اذ عَيْني عَلَيْهَا غشاوة ... فَلَمَّا انجلت قطعت نَفسِي الومها وَلَو تنقلت الرّوح فِي المواطن كلهَا والمنازل لم تَسْتَقِر وَلم تطمئِن الا فِي وطنها ومحلها الَّذِي خلقت لَهُ كَمَا قيل:

نقل فُؤَادك حَيْثُ شِئْت من الْهوى ... مَا الْحبّ الا للحبيب الاول كم منزل فِي الارض يألفه الْفَتى ... وحنينه ابدا لاول منزل وَإِذا كَانَت الرّوح تحن ابدا الى وطنها من الارض مَعَ قيام غَيره مقَامه فِي السُّكْنَى وَكَثِيرًا مَا يكون غير وطنها احسن واطيب مِنْهُ وَهِي دَائِما تحن اليه مَعَ انه لَا ضَرَر عَلَيْهَا وَلَا عَذَاب فِي مُفَارقَته الى مثله فَكيف بحنينها الى الوطن الَّذِي فِي فراقها لَهُ عَذَابهَا وآلامها وحسرتها الَّتِي لاتنقضي فَالْعَبْد

<<  <  ج: ص:  >  >>