مَا اقْربْ الاشياء حِين يَسُوقهَا ... قدرُوا بعْدهَا إِذا لم تقدر فسل الْفَقِيه تكن فَقِيها مثله ... من يسع فِي علم بذل يمهر فَتدبر الْعلم الَّذِي تفتى بِهِ ... لَا خير فِي علم بِغَيْر تدبر وَلَقَد يجد الْمَرْء وَهُوَ مقصر ... ويخيب جدالمرء غير مقصر ذهب الرِّجَال الْمُقْتَدِي بفعالهم ... والمنكرون لكل امْر مُنكر وَبقيت فِي خلف يزين بَعضهم ... بَعْضًا ليدفع معور عَن معور
وللعلم سِتّ مَرَاتِب اولها حسن السُّؤَال الثَّانِيَة حسن الانصات وَالِاسْتِمَاع الثَّالِثَة حسن الْفَهم الرَّابِعَة الْحِفْظ الْخَامِسَة التَّعْلِيم السَّادِسَة وَهِي ثَمَرَته وَهِي الْعَمَل بِهِ ومراعاة حُدُوده فَمن النَّاس من يحرمه لعدم حسن سُؤَاله أما لانه لَا يسال بِحَال اَوْ يسال عَن شَيْء وَغَيره اهم اليه مِنْهُ كمن يسْأَل عَن فضوله الَّتِي لَا يضر جَهله بهَا ويدع مَالا غنى لَهُ عَن مَعْرفَته وَهَذِه حَال كثير من الْجُهَّال المتعلمين وَمن النَّاس من يحرمه لسوء انصاته فَيكون الْكَلَام والممارات آثر عِنْده وَأحب اليه من الانصاب وَهَذِه آفَة كامنة فِي اكثر النُّفُوس الطالبة للْعلم وَهِي تمنعهم علما كثيرا وَلَو كَانَ حسن الْفَهم ذكر ابْن عبد البر عَن بعض السّلف انه قَالَ من كَانَ حسن الْفَهم رَدِيء الِاسْتِمَاع لم يقم خَيره بشره وَذكر عبد الله بن احْمَد فِي كتاب الْعِلَل لَهُ قَالَ كَانَ عُرْوَة بن الزبير يحب مماراة ابْن عَبَّاس فَكَانَ يخزن علمه عَنهُ وَكَانَ عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة يلطف لَهُ فِي السُّؤَال فيعزه بِالْعلمِ عزا وَقَالَ ابْن جريج لم أستخرج الْعلم الَّذِي استخرجت من عَطاء إِلَّا برفقي بِهِ وَقَالَ بعض السّلف إِذا جالست الْعَالم فَكُن على ان تسمع احرص مِنْك على ان تَقول وَقد قَالَ الله تَعَالَى إِن فِي ذَلِك لذكرى لمن كَانَ لَهُ قلب اَوْ القى السّمع وَهُوَ شَهِيد فَتَأمل مَا تَحت هَذِه الالفاظ من كنوز الْعلم وَكَيف تفتح مراعاتها للْعَبد ابواب الْعلم وَالْهدى وَكَيف ينغلق بَاب الْعلم عَنهُ من اهمالها وَعدم مراعاتها فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَمر عباده ان يتدبروا آيَاته المتلوة المسموعة والمرئية المشهودة بِمَا تكون تذكرة لمن كَانَ لَهُ قلب فَإِن من عدم الْقلب الواعي عَن الله لم ينْتَفع بِكُل آيَة تمر عَلَيْهِ وَلَو مرت بِهِ كل آيَة ومرور الايات عَلَيْهِ كطلوع الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم ومرورها على من لَا بصر لَهُ فَإِذا كَانَ لَهُ قلب كَانَ بِمَنْزِلَة الْبَصِير إِذا مرت بِهِ المرئيات فَإِنَّهُ يَرَاهَا وَلَكِن صَاحب الْقلب لَا ينْتَفع بِقَلْبِه الا بأمرين احدهما ان يحضرهُ ويشهده لما يلقى اليه فَإِن كَانَ غَائِبا عَنهُ مُسَافِرًا فِي الاماني والشهوات والخيالات لَا ينْتَفع بِهِ فَإِذا احضره اشهده لم ينْتَفع الا بَان يلقى سَمعه ويصغى بكليته الى مايوعظ بِهِ ويرشد اليه وَهَا هُنَا ثَلَاثَة