بِأَن المُرَاد بِمن كَانَ لَهُ قلب هُوَ المستغنى بفطرته عَن علم الْمنطق وَهُوَ الْمُؤَيد بِقُوَّة قدسية ينَال بهَا الْحَد الاوسط بِسُرْعَة فَهُوَ لكَمَال فطرته مستغن عَن مراعات اوضاع الْمنطق وَالْمرَاد بِمن القى السّمع وَهُوَ شَهِيد من لَيست لَهُ هَذِه الْقُوَّة فَهُوَ مُحْتَاج الى تعلم الْمنطق ليوجب لَهُ مراعاته وإصغاؤه اليه ان لَا يزِيغ فِي فكره وَفسّر قَوْله ادْع الى سَبِيل رَبك بالحكمة انها الْقيَاس البرهاني وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة الْقيَاس الْخطابِيّ وجادلهم بِالَّتِي هِيَ احسن الْقيَاس الجدلي فَهَذَا لَيْسَ من تفاسير الصَّحَابَة وَلَا التَّابِعين وَلَا اُحْدُ من ائمة التَّفْسِير بل وَلَا من تفاسير الْمُسلمين وَهُوَ تَحْرِيف لكَلَام الله تَعَالَى وَحمل لَهُ على اصْطِلَاح المنطقية المبخوسة الْحَظ من الْعقل والايمان وَهَذَا من جنس تفاسير القرامطة والباطنية وغلاة الاسماعيلية لما يفسرونه من الْقُرْآن وينزلونه على مذاهبهم الْبَاطِلَة وَالْقُرْآن بَرِيء من ذَلِك كُله منزه عَن هَذِه الاباطيل والهذيانات وَقد ذكرنَا بطلَان مَا فسر بِهِ المنطقيون هَذِه الاية الَّتِي نَحن فِيهَا والاية الاخرى فِي مَوضِع آخر من وُجُوه مُتعَدِّدَة وَبينا بُطْلَانه عقلا وَشرعا ولغة وَعرفا وَأَنه يتعالى كَلَام الله عَن حمله على ذَلِك وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَالْمَقْصُود بَيَان حرمَان الْعلم من هَذِه الْوُجُوه السِّتَّة احدها ترك السُّؤَال الثَّانِي سوء الانصات وَعدم القاء السّمع الثَّالِث سوء الْفَهم الرَّابِع عدم الْحِفْظ الْخَامِس عدم نشره وتلعيمه فَإِن من خزن علمه وَلم ينشره وَلم يُعلمهُ ابتلاه الله بنسيانه وذهابه مِنْهُ جَزَاء من جنس عمله وَهَذَا أَمر يشْهد بِهِ الْحس والوجود السَّادِس عدم الْعَمَل بِهِ فَإِن الْعَمَل بِهِ يُوجب تذكره وتدبره ومراعاته وَالنَّظَر فِيهِ فَإِذا اهمل الْعَمَل بِهِ نَسيَه قَالَ بعض السّلف كُنَّا نستعين على حفظ الْعلم بِالْعَمَلِ بِهِ وَقَالَ بعض السّلف ايضا الْعلم يَهْتِف بِالْعَمَلِ فَإِن اجابه حل والا ارتحل فَالْعَمَل بِهِ من اعظم اسباب حفظه وثباته وَترك الْعَمَل بِهِ أضاعه لَهُ فَمَا استدر الْعلم وَلَا استجلب بِمثل الْعَمَل قَالَ الله تَعَالَى يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وآمنوا بِرَسُولِهِ يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته وَيجْعَل لكم نورا تمشون بِهِ وَأما قَوْله تَعَالَى وَاتَّقوا الله ويعلمكم الله فَلَيْسَ من هَذَا الْبَاب بل هما جملتان مستقلتان طلبية وَهِي الامر بالتقوى وخبرية وَهِي قَوْله تَعَالَى ويعلمكم الله أَي وَالله يعلمكم مَا تَتَّقُون وَلَيْسَت جَوَابا لِلْأَمْرِ بالتقوى وَلَو أُرِيد بهَا الْجَزَاء لأتى بهَا مجزومة مُجَرّدَة عَن الْوَاو فَكَانَ يَقُول وَاتَّقوا الله يعلمكم اَوْ إِن تتقوه يعلمكم كَمَا قَالَ إِن تتقوا الله يَجْعَل لكم فرقانا فتدبره الْوَجْه الرَّابِع والاربعون بعد الْمِائَة ان الله سُبْحَانَهُ نفى التَّسْوِيَة بَين الْعَالم وَغَيره كَمَا نفى التَّسْوِيَة بَين الْخَبيث وَالطّيب وَبَين الاعمى والبصير وَبَين النُّور والظلمة وَبَين الظل والحرور وَبَين اصحاب الْجنَّة واصحاب النَّار وَبَين الابكم الْعَاجِز الَّذِي لَا يقدر على شَيْء وَمن يامر بِالْعَدْلِ وَهُوَ على صِرَاط مُسْتَقِيم وَبَين الْمُؤمنِينَ وَالْكفَّار وَبَين الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات والمفسدين فِي الارض وَبَين الْمُتَّقِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute