للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَارُون وجره اليه وَهُوَ نَبِي الله وكل هَذَا لم ينقص من قدرَة شَيْئا عِنْد ربه وربه تَعَالَى يُكرمهُ وَيُحِبهُ فَإِن الامر الَّذِي قَامَ بِهِ مُوسَى والعدو الَّذِي برز لَهُ وَالصَّبْر الَّذِي صبره والاذى الَّذِي اوذيه فِي الله امْر لَا تُؤثر فِيهِ امثال هَذِه الامور وَلَا تغير فِي وَجهه وَلَا تخْفض مَنْزِلَته وَهَذَا امْر مَعْلُوم عِنْد النَّاس مُسْتَقر فِي فطرهم ان من لَهُ الوف من الْحَسَنَات فَإِنَّهُ يسامح بِالسَّيِّئَةِ والسيئتين وَنَحْوهَا حَتَّى انه ليختلج دَاعِي عُقُوبَته على إساءته وداعي شكره على إحسانه فيغلب دَاعِي الشُّكْر لداعي الْعقُوبَة كَمَا قيل:

وَإِذا الجيب اتى بذنب وَاحِد ... جَاءَت محاسنه بِأَلف شَفِيع وَقَالَ آخر:

فَإِن يكن الْفِعْل الَّذِي سَاءَ وَاحِدًا ... فافعاله اللَّاتِي سررن كثير وَالله سُبْحَانَهُ يوازن يَوْم الْقِيَامَة بَين حَسَنَات العَبْد وسيئاته فايهما غلب كَانَ التَّأْثِير لَهُ فيفعل بَاهل الْحَسَنَات الْكَثِيرَة وَالَّذين آثروا محابه ومراضيه وغلبتهم دواعي طبعهم احيانا من الْعَفو والمسامحة مَالا يَفْعَله مَعَ غَيرهم وايضا فان الْعَالم إِذا زل فَإِنَّهُ يحسن اسراع الْفَيْئَة وتدارك الفارط ومداواة الْجرْح فَهُوَ كالطبيب الحاذق الْبَصِير بِالْمرضِ وأسبابه وعلاجه فَإِن زَوَاله على يَده اسرع من زَوَاله على يَد الْجَاهِل وَأَيْضًا فَإِن مَعَه من مَعْرفَته بِأَمْر الله وتصديقه بوعده ووعيده وخشيته مِنْهُ ازرائه على نَفسه بارتكابه وإيمانه بِأَن الله حرمه وان لَهُ رَبًّا يغْفر الذَّنب وَيَأْخُذ بِهِ الى غير ذَلِك من الامور المحبوبة للرب مَا يغمر الذَّنب ويضعف اقتضائه ويزيل اثره بِخِلَاف الْجَاهِل بذلك اَوْ اكثره فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعَه الا ظلمَة الْخَطِيئَة وقبحها واثارها المردية فَلَا يستوى هَذَا وَهَذَا وَهَذَا فصل الْخطاب فِي هَذَا الْموضع وَبِه يتَبَيَّن ان الامرين حق وانه لَا مُنَافَاة بَينهمَا وان كل وَاحِد من الْعَالم وَالْجَاهِل إِنَّمَا زَاد قبح الذَّنب مِنْهُ عى الاخر بِسَبَب جَهله وتجرد خطيئته عَمَّا يقاومها ويضعف تاثيرها ويزيل اثرها فَعَاد الْقبْح فِي الْمَوْضِعَيْنِ الى الْجَهْل وَمَا يستلزمه وقلته وَضَعفه الى الْعلم وَمَا يستلزمه وَهَذَا دَلِيل ظَاهر على شرف الْعلم وفضله وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق الْوَجْه الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ بعدالمائة ان الْعَالم مشتغل بِالْعلمِ والتعليم لَا يزَال فِي عبَادَة فَنَفْس تعلمه وتعليمه عبَادَة قَالَ ابْن مَسْعُود لايزال الْفَقِيه يصلى قَالُوا وَكَيف يصلى قَالَ ذكر الله على قلبه وَلسَانه ذكره ابْن عبد البر وَفِي حَدِيث معَاذ مَرْفُوعا وموقوفا تعلمُوا الْعلم فَإِن تعلمه لله حَسَنَة وَطَلَبه عبَادَة ومذاكرته تَسْبِيح وقدتقدم وَالصَّوَاب انه مَوْقُوف وَذكر ابْن عبد البر عَن معَاذ مَرْفُوعا لَان تَغْدُو فَتَتَعَلَّمُ بَابا من ابواب الْعلم خير لَك من ان تصلي مائَة رَكْعَة وَهَذَا لَا يثبت رَفعه وَقَالَ ابْن وهب كنت عِنْد مَالك بن انس فحانت صَلَاة الظّهْر اَوْ الْعَصْر وانا اقْرَأ عَلَيْهِ وَانْظُر فِي الْعلم بَين يَدَيْهِ فَجمعت كتبي وَقمت لاركع فَقَالَ لي مَالك مَا هَذَا فَقلت اقوم الى الصَّلَاة فَقَالَ ان هَذَا لعجب مَا الَّذِي قُمْت اليه افضل من الَّذِي كنت فِيهِ إِذا صحت فِيهِ النِّيَّة وَقَالَ الرّبيع سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول طلب الْعلم افضل من الصَّلَاة النَّافِلَة وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ

<<  <  ج: ص:  >  >>