للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَالَى افلم يدبروا القَوْل افلا يتدبرون الْقُرْآن وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا وتدبر الْكَلَام ان ينظر فِي اوله وَآخره ثمَّ يُعِيد نظره مره بعد مرّة وَلِهَذَا جَاءَ على بِنَاء التفعل كالتجرع والتفهم والتبين وسمى استبصارا وَهُوَ استفعال من التبصر وَهُوَ تبين الامر وانكشافه وتجليه للبصيرة وكل من التَّذَكُّر والتفكر لَهُ فَائِدَة غير فَائِدَة الاخر فالتذكر يُفِيد تكْرَار الْقلب على مَا علمه وعرفه ليرسخ فِيهِ وَيثبت وَلَا ينمحي فَيذْهب اثره من الْقلب جملَة والتفكر يُفِيد تَكْثِير الْعلم واستجلاب مَا لَيْسَ حَاصِلا عِنْد الْقلب فالتفكر يحصله والتذكر يحفظه وَلِهَذَا قَالَ الْحسن مَا زَالَ اهل الْعلم يعودون بالتذكر على التفكر وبالتفكر على التَّذَكُّر ويناطقون الْقُلُوب حَتَّى نطقت بالحكمة فالتفكر والتذكر بذار الْعلم وسقيه مطارحته ومذاكرته تلقيحه كَمَا قَالَ بعض السّلف ملاقاة الرِّجَال تلقيح لالبابها فالمذاكرة بهَا لقاح الْعقل فالخير والسعادة فِي خزانَة مفتاحها التفكر فَإِنَّهُ لَا بُد من تفكر وَعلم يكون نتيجته الْفِكر وَحَال يحدث للقلب من ذَلِك الْعلم فَإِن كل من عمل شَيْئا من المحبوب اَوْ الْمَكْرُوه لَا بُد ان يبْقى لِقَلْبِهِ حَالَة وينصبغ بصبغة من علمه وَتلك الْحَال توجب لَهُ إِرَادَة وَتلك الارادة توجب وُقُوع الْعَمَل فها هُنَا خَمْسَة امور الْفِكر وثمرته الْعلم وثمرتهما الْحَالة الَّتِي تحدث للقلب وَثَمَرَة ذَلِك الارادة وثمرتها الْعلم فالفكر إِذا هُوَ المبدأ والمفتاح لِلْخَيْرَاتِ كلهَا وَهَذَا يكْشف لَك عَن فضل التفكر وشرفه وانه من افضل اعمال الْقلب وانفعها لَهُ حَتَّى قيل تفكر سَاعَة خير من عبَادَة سنة فالفكر هُوَ الَّذِي ينْقل من موت الفطنة الى حَيَاة الْيَقَظَة وَمن المكاره الى المحاب وَمن الرَّغْبَة والحرص الى الزّهْد والقناعة وَمن سجن الدُّنْيَا الى فضاء الاخرة وَمن ضيق الْجَهْل الى سَعَة الْعلم ورحبه وَمن مرض الشَّهْوَة والاخلاد الى هَذِه الدَّار الى شِفَاء الانابة الى الله والتجافي عَن دَار الْغرُور وَمن مُصِيبَة الْعَمى والصمم والبكم الى نعْمَة الْبَصَر والسمع والفهم عَن الله وَالْعقل عَنهُ وَمن امراض الشُّبُهَات الى برد الْيَقِين وثلج الصُّدُور وَبِالْجُمْلَةِ فَأصل كل طَاعَة إِنَّمَا هِيَ الْفِكر وَكَذَلِكَ اصل كل مَعْصِيّة إِنَّمَا يحدث من جَانب الفكرة فَإِن الشَّيْطَان يُصَادف ارْض الْقلب خَالِيَة فارغة فيبذر فِيهَا حب الافكار الردية فيتولد مِنْهُ الارادات والعزوم فيتولد مِنْهَا الْعَمَل فَإِذا صَادف ارْض الْقلب مَشْغُولَة ببذر الافكار النافعة فِيمَا خلق لَهُ وَفِيمَا امْر بِهِ وفيم هيء لَهُ وَاعد لَهُ من النَّعيم الْمُقِيم اَوْ الْعَذَاب الاليم لم يجد لبذره موضعا وَهَذَا كَمَا قيل:

اتاني هَواهَا قبل ان اعرف الْهوى ... فصادف قلبا فَارغًا فتمكنا فان قيل فقد ذكرْتُمْ الْفِكر ومنفعته وَعظم تَأْثِيره فِي الْخَيْر وَالشَّر فَمَا مُتَعَلّقه الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>