يَنْبَغِي ان يُوقع عَلَيْهِ ويجرى فِيهِ فانه لَا يتم الْمَقْصُود مِنْهُ الا بِذكر مُتَعَلّقه الَّذِي يَقع الْفِكر فِيهِ والا ففكر بِغَيْر متفكر فِيهِ محَال قيل مجْرى الْفِكر ومتعلقه اربعة امور احدها غَايَة محبوبة مُرَادة الْحُصُول الثَّانِي طَرِيق موصلة الى تِلْكَ الْغَايَة الثَّالِث مضرَّة مَطْلُوبَة الاعدام مَكْرُوهَة الْحُصُول الرَّابِع الطَّرِيق المفضي اليها الْموقع عَلَيْهَا فَلَا تتجاوز افكار الْعُقَلَاء هَذِه الامور الاربعة وَأي فكر تخطاها فَهُوَ من الافكار الردية والخيالات والاماني الْبَاطِلَة كَمَا يتخيل الْفَقِير المعدم نَفسه من اغنى الْبشر وَهُوَ يَأْخُذ وَيُعْطِي وينعم وَيحرم وكما يتخيل الْعَاجِز نَفسه من اقوى الْمُلُوك وَهُوَ يتَصَرَّف فِي الْبِلَاد والرعية وَنَظِير ذَلِك من افكار الْقُلُوب الباطولية الَّتِي من جنس افكار السَّكْرَان والمحشوش والضعيف الْعقل فالافكار الردية هِيَ قوت الانفس الخسيسة الَّتِي هِيَ فِي غَايَة الدناءة فَإِنَّهَا قد قنعت بالخيال ورضيت بالمحال ثمَّ لَا تزَال هَذِه الافكار تقوى بهَا وتتزايد حَتَّى توجب لَهَا آثارا ردية ووساوس وأمراضا بطيئة الزَّوَال وَإِذا كَانَ الْفِكر النافع لَا يخرج عَن الاقسام الاربعة الَّتِي ذَكرنَاهَا فَلهُ ايضا محلان ومنزلان احدهما هَذِه الدَّار والاخر دَار الْقَرار فأبناء الدُّنْيَا الَّذين لَيْسَ لَهُم فِي الاخرة من خلاق عمروا بيُوت افكارهم بِتِلْكَ الاقسام الاربعة فِي هَذِه الدَّار فأثمرت لَهُم افكارهم فِيهَا مَا اثمرت وَلَكِن إِذا حقت الْحَقَائِق وَبَطلَت الدُّنْيَا وَقَامَت الاخرة تبين الرابح من المغبون وخسر هُنَالك المبطلون وَأَبْنَاء الاخرة الَّذين خلقُوا لَهَا عمروا بيُوت افكارهم على تِلْكَ الاقسام الاربعة فِيهَا وَنحن نفصل ذَلِك بعون الله وفضله فَنَقُول كل طَالب لشَيْء فَهُوَ محب لَهُ مُؤثر لقُرْبه ساع فِي طَرِيق تَحْصِيله متوصل اليه بِجهْدِهِ وَهَذَا يُوجب لَهُ تعلق افكاره بِجَمَال محبوبه وكماله وَصِفَاته الَّتِي يحب لاجلها وتعلقها بِمَا يَنَالهُ بِهِ من الْخَيْر والفرح وَالسُّرُور ففكره فِي حَال محبوبه دائر بَين الْجمال والاجمال وَالْحسن والاحسان فَكلما قويت محبته ازْدَادَ هَذَا الْفِكر وقوى وتضاعف حَتَّى يسْتَغْرق اجزاء الْقلب فَلَا يبْقى فِيهِ فضل لغيره بل يصير بَين النَّاس بقالبه وَقَلبه كُله فِي حَضْرَة محبوبه فَإِن كَانَ هَذَا المحبوب هُوَ المحبوب الْحق الَّذِي لَا تنبغي الْمحبَّة إِلَّا لَهُ وَلَا يحب غَيره إِلَّا تبعا لمحبته فَهُوَ اِسْعَدْ المحبين بِهِ وَقد وضع الْحبّ مَوْضِعه وتهيأت نَفسه لكمالها الَّذِي خلقت لَهُ وَالَّذِي لَا كَمَال لَهَا بِدُونِهِ بِوَجْه وان كَانَت تِلْكَ الْمحبَّة لغيره من المحبوبات الْبَاطِلَة المتلاشية الَّتِي تفنى وَتبقى حزازات الْقُلُوب بهَا على حَالهَا فقد وضع الْمحبَّة فِي غير موضعهَا وظلم نَفسه اعظم ظلم واقبحه وتهيأت بذلك نَفسه لغاية شقائها والمها وَإِذا عرف هَذَا عرف ان تعلق الْمحبَّة بِغَيْر الاله الْحق هُوَ عين شقاء العَبْد وخسرانه فافكفاره الْمُتَعَلّقَة بهَا كلهَا بَاطِلَة وَهِي مضرَّة عَلَيْهِ فِي حَيَاته وبعدموته والمحب الَّذِي قد ملك المحبوب افكار قلبه لَا يخرج فكره عَن تعلقه بمحبوبه اَوْ بِنَفسِهِ ثمَّ فكره فِي محبوبه لَا يخرج عَن حالتين
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute